الآيات 11-15
قوله تعالى: ﴿جُندٌ مَّا هُنَالِكَ مَهْزُومٌ مِّنَ الْأَحْزَابِ، كَذَّبَتْ قَبْلَهُمْ قَوْمُ نُوحٍ وَعَادٌ وَفِرْعَوْنُ ذُو الْأَوْتَادِ، وَثَمُودُ وَقَوْمُ لُوطٍ وَأَصْحَابُ الأَيْكَةِ أُوْلَئِكَ الْأَحْزَابُ، إِن كُلٌّ إِلاَّ كَذَّبَ الرُّسُلَ فَحَقَّ عِقَابِ، وَمَا يَنظُرُ هَؤُلَاء إِلاَّ صَيْحَةً وَاحِدَةً مَّا لَهَا مِن فَوَاقٍ﴾
القراءة:
قرأ حمزة والكسائي " فواق " بضم الفاء. الباقون بفتحها. فالفواق بفتح الفاء معناه مالها من راحة، وإذا ضممت الفاء، فالمعنى مالها من فواق ناقة وهو قدر ما بين الحبلتين. وقيل: هو ما بين الرضعتين. وقيل: هما لغتان مثل قصاص الشعر وقصاصه، وحمام الماء وحمامه، وهو الآفة، وهو الإبانة بعد الفترة و (ما) في قوله " جند ما " صلة، وتقديره: جند هنالك، و (هنالك) للمكان البعيد و (هناك) للمتوسط بين القرب والبعد و (هنا) للقريب ونظيره (ذا) و (ذاك) و (ذلك) ومثل (ما) في كونها صلة قولهم: لامر ما جدع قصير أنفه. وعندي طعام ما، قال الأعشى:
فاذهبي ما إليك أدركني * الحلم عداني عن ذكركم اشغالي (1)
وقيل: إنها تقوية للنكرة المبتدأة في (ما) والجند جمع معد للحرب جمعه أجناد وجنود، وجند الأجناد أي جيش الجيوش. ومنه قوله صلى الله عليه وآله (الأرواح جنود مجندة فما تعارف منها ائتلف وما تناكر منها اختلف)، وقوله " مهزوم " يعني مغلوب عن أن يصعدوا إلى السماء، والمهزوم من وقعت بهم الهزيمة، وهي الفرار من الحرب، ولو فر انسان من ضرب لم يكن ذلك هزيمة، وكذلك من فر من الحبس. وقوله " من الأحزاب " معناه من حزب إبليس واتباعه. ثم اخبر تعالى انه كذب مثل هؤلاء الكفار، فأنث لأنه أراد العشيرة " قوم نوح " فأغرقهم الله، وقوم " عاد " فأهلكهم الله " وفرعون " وقوم فرعون " ذا الأوتاد " وقيل: في معناه أقوال: منها - انه كانت له ملاعب من أوتاد يلعب له عليها، وهو قول ابن عباس وقتادة. وقال السدى والربيع بن أنس: انه كانت له أوتاد يعذب الناس بها. وقال الضحاك: معناه ذو البنيان، والبنيان أوتاد، ثم قال " وثمود وقوم لوط وأصحاب الأيكة " أيضا هم الأحزاب يعني احزاب إبليس: و (الأيكة) الغيضة. وقال أبو عمرو بن العلا: هي الملتفت من النبع والسدر. وقال السدي: هي الحرجة، قال الشاعر:
أفمن بكاء حمامة في أيكة * يرفض دمعك فوق ظهر المحمل
يعني محمل السيف. وقوله " إن كل الا كذب الرسل " معناه ليس كلهم إلا كذبوا أنبياء الله وجحدوا نبوتهم فاستحقوا عقابي. ثم قال " وما ينظر هؤلاء إلا صيحة واحدة " أي ليس ينظر هؤلاء إلا صيحة عذاب لا يكون لتلك الصيحة " من فواق " أي مالها من إفاقة بالرجوع إلى الدنيا وهو قول قتادة، والسدي وقال ابن زيد " مالها من فواق " أي من فتور كما يفيق المريض.
1- ديوانه 164.