الآيات 76-80
قوله تعالى: ﴿وَيَزِيدُ اللَّهُ الَّذِينَ اهْتَدَوْا هُدًى وَالْبَاقِيَاتُ الصَّالِحَاتُ خَيْرٌ عِندَ رَبِّكَ ثَوَابًا وَخَيْرٌ مَّرَدًّا، أَفَرَأَيْتَ الَّذِي كَفَرَ بِآيَاتِنَا وَقَالَ لَأُوتَيَنَّ مَالًا وَوَلَدًا، أَاطَّلَعَ الْغَيْبَ أَمِ اتَّخَذَ عِندَ الرَّحْمَنِ عَهْدًا، كَلَّا سَنَكْتُبُ مَا يَقُولُ وَنَمُدُّ لَهُ مِنَ الْعَذَابِ مَدًّا، وَنَرِثُهُ مَا يَقُولُ وَيَأْتِينَا فَرْدًا﴾
يقول الله تعالى انه " يزيد الذين اهتدوا " إلى طاعة الله واجتناب معاصيه " هدى " ووجه الزيادة لهم فيه ان يفعل بهم الألطاف التي يستكثرون عندها الطاعات بما يبينه لهم من وجه الدلالات والأمور التي تدعوا إلى أفعال الخيرات. وقيل: زيادة الهدى هو بايمانهم بالناسخ والمنسوخ. وأخبر تعالى أن " الباقيات " الصالحات " وهي فعل جميع الطاعات واجتناب جميع المعاصي. وقيل: هو قول: سبحان الله والحمد لله ولا إله إلا الله والله أكبر ولله الحمد، وروي عن أبي عبد الله (ع) أن الباقيات الصالحات القيام آخر الليل لصلاة الليل والدعاء في الأسحار. وسميت باقيات بمعنى أن منافعها تبقى وتنفع أهلها في الدنيا والآخرة، بخلاف ما نفعه مقصور على الدنيا فقط. وقوله " خير عند ربك ثوابا " أي أكثر ثوابا من غيرها. وقيل معناه خير ثوابا من مقامات الكفار التي لها عندهم الافتخار. وقيل: خير من اعمال الكفار على تقدير: إن كان فيها خير. وقوله " وخير مردا " أي خير نعيما ترده الباقيات الصالحات على صاحبه، كأنه ذاهب عنه لفقده له، فترده عليه حتى يجده في نفسه. وقوله " أرأيت الذي كفر بآياتنا، وقال لأوتين مالا وولدا " قيل نزلت في العاص بن وائل السهمي - في قول ابن عباس، وخباب ابن الأرت، ومجاهد - وقال الحسن: نزلت في الوليد بن المغيرة، فإنه قال - استهزاء - لأوتين مالا وولدا في الجنة، ذكره الكبي. وقيل أراد في الدنيا، يعني إن أقمت على دين آبائي وعبادة آلهتي " لأوتين مالا وولدا ". وقرأ حمزة والكسائي " وولدا " بضم الواو. الباقون بفتحها. وقيل في ذلك قولان:
أحدهما: انهما لغتان كالعدم والعدم، والحزن والحزن، قال الشاعر:
فليت فلانا كان في بطن أمه * وليت فلانا كان ولد حمارا (1)
وقال الحارث بن حلزة:
ولقد رأيت معاشرا * قد ثمروا مالا وولدا (2)
وقال رؤبة:
الحمد لله العزيز فردا * لم يتخذ من ولد شئ ولدا (3).
والثاني: إن (قيسا) تجعل (الولد) بالضم جمعا، وبالفتح واحدا، كقولهم: أسد واسد، ووثن ووثن. فقال الله تعالى " اطلع الغيب " أي اشرف على علم الغيب وعرفه حتى قال ما قال ؟! وهذه الف الاستفهام دخلت على الف الوصل المكسورة فسقطت المكسورة مثل " أصطفى البنات على البنين " (4) وقوله " أم اتخذ عند الرحمن عهدا " قال قتادة: معناه اتخذ عهدا للرحمن بعد صالح قدمه؟. وقال غيره: معناه " أم اتخذ عند الرحمن عهدا " أي قولا قدمه إليه بما ذكره. ثم قال تعالى " كلا " أي حقا وهو قسم " سنكتب ما يقول " أي نثبته ليواقف عليه يوم القيامة " ونمد له من العذاب مدا " أي نؤخر عنه عذابه، ولا نعاجله. ويجوز أن يكون المراد إنا نطيل عذابه. وقوله " ونرثه ما يقول " قال ابن عباس وقتادة وابن زيد: نرثه نحن المال والولد بعد اهلاكنا إياه وإبطالنا ما ملكناه " ويأتينا فردا " أي يجيئنا يوم القيامة فردا لا أحد معه، ولا شئ يصحبه.
1- نفس المصادر المتقدمة في الصفحة قبلها.
2- تفسير الطبري 16 / 81.
3- سورة 37 (الصافات) آية 153.
4- سورة 28 القصص آية 63.