الآيات 11-15
قوله تعالى: ﴿فَخَرَجَ عَلَى قَوْمِهِ مِنَ الْمِحْرَابِ فَأَوْحَى إِلَيْهِمْ أَن سَبِّحُوا بُكْرَةً وَعَشِيًّا، يَا يَحْيَى خُذِ الْكِتَابَ بِقُوَّةٍ وَآتَيْنَاهُ الْحُكْمَ صَبِيًّا، وَحَنَانًا مِّن لَّدُنَّا وَزَكَاةً وَكَانَ تَقِيًّا، وَبَرًّا بِوَالِدَيْهِ وَلَمْ يَكُن جَبَّارًا عَصِيًّا، وَسَلَامٌ عَلَيْهِ يَوْمَ وُلِدَ وَيَوْمَ يَمُوتُ وَيَوْمَ يُبْعَثُ حَيًّا﴾
حكى الله تعالى ان زكريا " خرج على قومه من المحراب " وهو الموضع الذي يتوجه إليه للصلاة. وقال ابن زيد محرابه مصلاه. والأصل فيه مجلس الاشراف الذي يحارب دونه ذبا عن أهله " فأوحى إليهم " قيل: معناه أشار الهيم وأومأ بيده يقال: أوحى يوحي إيحاء ووحى يحي ويحا مثل أومى يومي ايماء، وومى يمي وميا. والايحاء إلقاء المعنى إلى النفس في خفى بسرعة من الامر. واصله السرعة من قولهم: الوحي الوحا أي الاسراع. وقيل: كتب لهم على الأرض، والوحي الكتابة. وقوله " ان سبحوا بكرة وعشيا " أي أوحى إليهم بأن سبحوا، ومعناه صلوا بكرة وعشيا - في قول الحسن وقتادة - وقيل للصلاة تسبيح، لما فيها من الدعاء والتسبيح، ويقال: فرغت من سبحتي أي صلاتي. وقوله " يا يحيى خذ الكتاب " يعني التوراة التي أنزلتها على موسى " بقوة " أي بجد " وآتيناه الحكم صبيا " معناه أعطيناه الفهم لكتاب الله حتى حصل له عظيم الفائدة. وروي عن معمر: أن الصبيان، قالوا ليحيى أذهب بنا نلعب، فقال ما للعب خلقت. فأنزل الله " وآتيناه الحكم صبيا ". وقوله " وحنانا من لدنا " معناه وآتيناه رحمة من عندنا - في قول ابن عباس وقتادة والحسن - وقال الفراء: فعلنا ذلك رحمة لأبويه " وزكاة " أي وصلاحا. وقال الضحاك رحمة منا لا يملك إعطاء ها أحد غيرنا. وقال مجاهد: معناه تعطفا. وقال عكرمة: معناه محبة. واصل الحنان الرحمة، يقال: حنانك وحنانيك قال امروء القيس:
ويمنعها بنو شمجى بن جرم * معيزهم حنانك ذا الحنان (1)
وقال الآخر:
فقالت حنان ما أتى بك ههنا * أذو نسب أم أنت بالحي عارف (2)
أي أمرنا حنان، وتحنن علينا تحننا أي تعطف قال الشاعر:
تحنن علي هداك المليك * فان لكل مقام مقالا (3)
وحننت عليه أحن حنينا، وحنانا، وحنت على الرجل امرأته. وقال أبو عبيدة معمر ابن المثنى أكثر ما يستعمل بلفظة التثنية، قال طرفة:
أبا منذر أفنيت فاستبق بعضنا * حنانيك بعض الشر أهون من بعض (4)
وقوله " وزكاة " أي وعملا صالحا زكيا - في قول قتادة والضحاك وابن جريج - وقال الحسن معناه: وزكاة لمن قبل عنه حتى يكونوا أزكياء. وقال الجبائي: معناه آتيناه تحننا على العباد ورقة قلب عليهم ليحرص على دعائهم إلى طاعة ربهم " وزكاة " أي إنا زكيناه بحسن الثناء عليه، كما يزكي الشهود الانسان (وكان تقيا) أي يتقي معاصي الله وترك طاعته (وبرا بوالديه) أي كان بارا محسنا إلى والديه، (ولم يكن جبارا) متكبرا (عصيا) فعيل بمعنى فاعل، ثم قال تعالى " وسلام عليه يوم ولد ويوم يموت ويوم يبعث حيا) في يوم القيامة، ومعناه ان رحمة الله وسلامه اللذين هما تفضل من الله، هما على يحيى يوم ولد، وإن رحمة الله وسلامه اللذين هما حزاء لا عماله الصالحة، هما عليه يوم يموت ويوم يبعث حيا، في الآخرة. قال قوم معناه: أمان الله له وسلامه يوم ولد من عبث الشيطان له واغوائه إياه، ويوم يموت من عذاب القبر وهول المطلع، ويوم يبعث حيا من عذاب النار وأهوال المحشر.
1- تفسير القرطبي 11 / 87 والطبري 16 / 32.
2- قائله الحطيئة تفسير الشوكاني 3 / 311 وتفسير الطبري 16 / 38 والقرطبي 11 / 87.
3- ديوانه (دار بيروت) 66 وتفسير الطبري 16 / 38 والقرطبي 11 / 87.
4- ديوانه (دار بيروت) 493 وروايته (ذكرتكم) بدل (ذكرت لكم).