الآية 80

قوله تعالى: ﴿تَرَى كَثِيرًا مِّنْهُمْ يَتَوَلَّوْنَ الَّذِينَ كَفَرُواْ لَبِئْسَ مَا قَدَّمَتْ لَهُمْ أَنفُسُهُمْ أَن سَخِطَ اللّهُ عَلَيْهِمْ وَفِي الْعَذَابِ هُمْ خَالِدُونَ﴾

هذا خطاب من الله للنبي صلى الله عليه وآله يقول له " ترى كثيرا منهم " يعني من هؤلاء اليهود في قول الحسن وأبي علي. وقال غيرهما يعني أهل الكتاب أي " يتولون الذين كفروا " من عبدة الأوثان في قول الحسن وغيره. وقال أبو جعفر يتولون الملوك الجبارين ويزينون لهم أهوائهم ليصيبوا من دنياهم. فان قيل: كيف يتولى أهل الكتاب عبدة الأوثان مع إكفارهم إياهم على تلك العبادة ؟! قلنا لأنهم يعملون عمل المتولي بالنصرة والمعاونة والرضا بما يكون منهم من عداوة النبي صلى الله عليه وآله ومحاربته. ويجوز أن يكونوا تولوهم على ذلك في الحقيقة، فيكون على جهة تقييد الصفة. فان قيل ما الفائدة في اخباره صلى الله عليه وآله يراه وهو عالم به؟قلنا: عنه جوابان:

أحدهما: التوبيخ لصاحبه فيقرعون بما هو من حالهم.

والآخر: التنبيه على باطن أمرهم بما يدل عليه ظاهر حالهم المعلومة فينكشف باطنهم القبيح. وقوله " لبئس ما قدمت لهم أنفسهم " قيل في معناه قولان:

أحدهما: بئس شيئا قدموه من العمل لمعادهم في الآخرة في قول أبي علي. واللام لام القسم على ما بيناه.

الثاني: أنه يجري مجرى قوله: " سولت لهم أنفسهم " أي قدمت لهم أنفسهم بما بعثهم على تولي الذين كفروا مع مخالفتهم. وقوله: " أن سخط الله عليهم " قيل في موضع " أن سخط الله " قولان:

أحدهما: رفع كقولك: ما قدموه لأنفسهم سخط الله أي هو سخط الله عليهم وخلودهم في النار بما كان من توليهم ورفعه كرفع (زيد) في قولك: بئس رجلا زيد.

الثاني: أنه جر على تقدير لان سخط الله عليهم وحصلوا على الخلود في النار وقال الزجاج: يجوز أن يكون نصبا على تقدير بئس الشئ ذلك، لان أكسبهم السخطة عليهم.