الآية 47

قوله تعالى: ﴿وَلْيَحْكُمْ أَهْلُ الإِنجِيلِ بِمَا أَنزَلَ اللّهُ فِيهِ وَمَن لَّمْ يَحْكُم بِمَا أَنزَلَ اللّهُ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ﴾

القراءة:

قرأ حمزة (وليحكم) بكسر اللام، ونصب الميم. الباقون بجزم الميم وسكون اللام على الامر. حجة حمزة أنه جعل اللام متعلقة بقوله " وآتيناه الإنجيل " لان إيتاءه الإنجيل انزال ذلك عليه، فصار كقوله " إنا أنزلنا إليك الكتاب بالحق لتحكم بين الناس " (1) وحجة من جزم الميم انه جعله أمرا بدلالة قوله: " وأن احكم بينهم بما أنزل الله " فكما أمر النبي صلى الله عليه وآله بالحكم بما أنزل عليه كذلك أمر عيسى (ع) بالحكم بما أنزل الله في الإنجيل. وفي معنى الامر قولان:

أحدهما: وقلنا: " ليحكم أهل الإنجيل " فيكون على حكاية ما فرض عليهم وحذف القول لدلالة ما قبله في قوله وقفينا، وآتيناكما قال: " والملائكة يدخلون عليهم من كل باب سلام عليكم " (2) أي يقولون سلام عليكم.

الثاني: أنه استأنف الامر لأهل الإنجيل على غير حكاية، لان أحكامه كانت حينئذ موافقة لاحكام القرآن. ولم تنسخ بعد - هذا قول أبي علي - والأول أقوى - وهو اختيار الرماني. وقوله: " بما أنزل الله فيه " يعني الإنجيل، وهو يذكر ويؤنث، والإنجيل إفعيل من النجل وهو الأصل، والنجل النز من الماء. والنجل الولد. والنجل القطع. ومنه سمي المنجل. وقرأ الحسن (إنجيل) بفتح الهمزة وهو شاذ وهو ضعيف. لأنه ليس في كلام العرب شئ على وزن (أفعيل) وإنما جزمت لام الامر ونصبت لام كي، لان لام الامر توجب معنى لا يكون للاسم فأوجبت إعرابا لا يكون للاسم ولام كي يقدر بعدها (أن) بمعنى الاسم. وقوله: " ومن لم يحكم بما انزل الله فأولئك هم الفاسقون " قيل فيه قولان:

أحدهما: قال أبو علي ان (من) بمعنى الذي وهو خبر عن قوم معرفين، وهم اليهود الذين تقدم ذكرهم.

الثاني: قال غيره ان ذلك خرج مخرج المجاراة والمعنى أن من لم يحكم بما أنزل الله من المكلفين فهو فاسق، لأن اطلاق الصفة يدل على أنه ذهب إلى أن الحكمة في خلاف ما أمر الله به، فلهذا كان كافرا. وقال ابن زيد: الفاسقون - ههنا - وفي أكثر القرآن بمعنى الكاذبين كقوله " إن جاءكم فاسق " (3) يعني كاذب.

1- سورة 4 النساء آية 104.

2- سورة 13 الرعد آية 25.

3- سورة 49 الحجرات آية 6.