الآية 46
قوله تعالى: ﴿وَقَفَّيْنَا عَلَى آثَارِهِم بِعَيسَى ابْنِ مَرْيَمَ مُصَدِّقًا لِّمَا بَيْنَ يَدَيْهِ مِنَ التَّوْرَاةِ وَآتَيْنَاهُ الإِنجِيلَ فِيهِ هُدًى وَنُورٌ وَمُصَدِّقًا لِّمَا بَيْنَ يَدَيْهِ مِنَ التَّوْرَاةِ وَهُدًى وَمَوْعِظَةً لِّلْمُتَّقِينَ﴾
قوله: (وقفينا) معناه أتبعنا يقال: قفاه يقفوه وقفوا ومنه قافية الشعر لأنها تتبع الوزن ومنه القفا، ويثنى قفوان، واستقفاه إذا قفا أثره ليسلبه. والقفي الضيف، لأنه يقفى بالبر واللطف. وقوله " على آثارهم " فالآثار جمع أثر وهو العسل الذي يظهر للحس، وآثار القوم ما أبقوا من أعمالهم، ومنه المأثرة، وهي المكرمة التي يأثرها الخلف عن السلف، لأنها عمل يظهر نصا المنفس، والأثير الكريم على القوم لأنهم يؤثرونه بالبر، ومنه الايثار بالاختيار، لأنه اظهار أحد العملين على الآخر واستأثر فلان بالشئ إذا اختاره لنفسه. والهاء والميم في قوله: " آثارهم " قيل فيمن يرجع إليه قولان:
أحدهما: اختاره البلخي والرماني: انهما يرجعان إلى النبيين الذين أسلموا، وقد تقدم ذكرهم. وقال أبو علي يعودان على الذين فرض عليهم الحكم الذي مضى ذكره، لأنه أقرب. والأول أحسن في المعنى. وهذا أجود في العربية. وقوله: " بعيسى بن مريم مصدقا لما بين يديه من التوراة " نصب مصدقا على الحال. والمعنى أنه يصدق على ما مضى من التوراة الذي أنزلها الله على موسى ويؤمن بها. وإنما قال لما مضى قبله بين يديه لأنه إذا كان ما يأتي بعده خلفه، فالذي مضى قبله قدامه وبين يديه. وقوله (وآتيناه الإنجيل) يعني عيسى أنزلنا عليه الإنجيل " فيه " يعني في الإنجيل " هدى " يعني بيان، وحجة " ونور " سماه نورا لما فيه من الاهتداء به كما يهتدى بالنور و " هدى " رفع بالابتداء " وفيه " خبره قدم عليه. و " نور " عطف عليه و " مصدقا لما بين يديه من التوراة " نصب على الحال وليس ذلك بتكرير لان الأول حال لعيسى (ع) وأنه يدعوا إلى التصديق بالتوراة.
الثاني: أن في الإنجيل ذكر التصديق بالتوراة وهما مختلفان و " هدى " في موضع نصب بالعطف على " مصدقا ". و (موعظة) عطف على " هدى للمتقين ". وإنما اضافه إلى المتقين، لأنهم المنتفعون بها. وقد مضى مثل ذلك فيما مضى. والمتقون هم الذين يتقون معاصي الله وترك واجباته خوفا من عقابه والوعظ والموعظة هو الزجر عما كرهه الله إلى ما يحبه الله والتنبيه عليه.