الآية 34

قوله تعالى: ﴿إِلاَّ الَّذِينَ تَابُواْ مِن قَبْلِ أَن تَقْدِرُواْ عَلَيْهِمْ فَاعْلَمُواْ أَنَّ اللّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ﴾

قال الزجاج يحتمل الذين أن يكون في موضع الرفع بالابتداء وخبره فاعلموا ان الله غفور رحيم والمعنى غفور رحيم لهم والمعنى لكن التائبون من قبل القدرة عليهم فالله غفور رحيم. ويجوز أن يكون في موضع نصب بالاستثناء من قوله (فاعلموا أن الله غفور رحيم). لما بين الله حكم المحارب - على ما فصلناه - استثناء من جملتهم من يتوب مما ارتكبه قبل أن يؤخذ، ويقدر عليه لان توبته بعد حصوله في قبضة الامام، وقيام البينة عليه بذلك لا ينفعه، ووجب إقامة الحد عليه. واختلفوا فيمن تدرأ عنه التوبة الحدود: هل هو المشرك أو من كان مسلما من أهل الصلاة؟فقال الحسن، وقتادة، ومجاهد والضحاك: هو المشرك دون من كان مسلما. فأما من أسلم، فإنه لم يؤاخذ بما جناه إلا أن يكون معه عين مال قائمة فإنه يجب عليه ردها وما عداه يسقط. وأما علي (ع) فإنه حكم بذلك فيمن كان مسلما وهو حارثة بن بدر، لأنه كان قد خرج محاربا ثم تاب فقبل علي (ع) توبته. وجعل له أمانا على يد سعيد بن قيس. وحكم به أبو موسى الأشعري في فلان المرادي جاء تائبا بعد كونه محاربا فقبل توبته. وأبو هريرة في علي الأسدي وبه قال السدي ومالك بن أنس إلا أن مالكا قال يؤخذ بالدم إذا طالب به وليه. وقال الليث بن سعيد لا يؤاخذ به وقال الشافعي تضع توبته عنه حد الله الذي وجب لمحاربته، ولا يسقط عنه حقوق بني آدم وهو مذهبنا، فعلى هذا إن أسقط الآدمي حق نفسه ويكون ظهرت منه التوبة قبل ذلك لا يقاص عليه الحد، وإن لم يكن ظهرت منه التوبة أقيم الحد، لأنه محارب فيتحتم عليه الحد. وهو قول أبي علي. ولا خلاف أنه إذا أصيب المال بعينه في يده أنه يرد إلى أهله. فاما المشرك المحارب فمتى أسلم وتاب سقطت عنه الحدود، سواء كان ذلك منه قبل القدرة عليه أو بعدها بلا خلاف. فاما السارق إذا قدر عليه بعد التوبة وتكون التوبة منه بعد قيام البينة فإنه لا يسقط عنه الحد. وإن كان قبل قيام البينة أسقطت عنه. وقال قوم: لا تسقط التوبة الحد عن السارق - ولم يفصل. وادعي في ذلك الاجماع. قالوا لان الله جعل هذا الحكم للمحارب بالاستثناء بقوله: " فاعلموا أن الله غفور رحيم " ولم يكن غير المحارب في معناه فيقاص عليه، لان ظاهر هذا التفرد وليس كذلك هو في المحارب الممتنع بفئة وفي الآية حجة على من قال لا تصح التوبة مع الإقامة على معصية أخرى يعلم صاحبها أنها معصية، لأنه تعالى علق بالتوبة حكما لا يحل به الإقامة على معصية هي السكر أو شرب نبيذ التمر على غير التأويل باجماع المسلمين.