الآية 28
قوله تعالى: ﴿لَئِن بَسَطتَ إِلَيَّ يَدَكَ لِتَقْتُلَنِي مَا أَنَاْ بِبَاسِطٍ يَدِيَ إِلَيْكَ لَأَقْتُلَكَ إِنِّي أَخَافُ اللّهَ رَبَّ الْعَالَمِينَ﴾
آية يتقبلها الله من الذين يتقون معاصي الله خوف عقابه دون من لا يتقيها. في هذه الآية إخبار عن ولد آدم المقتول، وهو هابيل أنه قال لأخيه حين هدده بالقتل لما تقبل قربانه ولم يتقبل قربان أخيه، فقال " لئن بسطت إلي يدك " ومعناه لئن مددت إلي يدك. والبسط هو المد وهو ضد القبض " لتقتلني " معناه لان تقتلني ما أنا باسط يدي إليك لان أقتلك. فان قيل لم قال ذلك وقد وجب بحكم العقل الدفع عن النفس وإن أدى إلى قتل المدفوع ؟! قلنا: عنه جوابان:
أحدهما: أن معناه لئن بدأتني بقتل لم أبدأك لا على أني لا أدفعك عن نفسي إذا قصدت قتلي هذا قول ابن عباس وجماعة، وقيل: إنه قتله غيلة بأن ألقى عليه وهو نائم صخرة شدخه بها.
الثاني: قال الحسن، ومجاهد، والجبائي: إنه كان كتب عليهم إذا أراد الرجل قتل رجل تركه ولم يمتنع منه. وكان عمرو بن عبيد يجيز الوجهين وهو الأقوى لان كلا الامرين جائز. فان قيل كيف يجوز الوجه الأخير وفيه أطماع في النفس ؟! قلنا: ليس فيه شئ من ذلك لأنه يجري مجرى قول القائل لغيره لئن ظلمتني لم أظلمك، ولئن قبحت في أمري لم أقبح في أمرك بل في ذلك غاية الزجر والردع عن القبيح، لان القبيح منفر عن نفسه صارف عن فعله. وقوله: " إني أخاف الله رب العالمين " يعني أخاف الله في ابتداء مدي إليك يدي لقتلك " رب العالمين " يعني رب الخلائق. واللام في قوله " لئن " لام القسم وتقديره أقسم " لئن بسطت إلي يدك " وجوابه " ما أنا بباسط " ولا تقع (ما) جوابا للشرط والفرق بينهما أن ل? (ما) صدر الكلام والقسم لا يخرجها عن ذلك كما جاز أن يكون جواب القسم ب? (أن) ولام الابتداء، ولم يجز بالفاء لان المقسم عليه ليس يجب بوجوب القسم وإنما القسم يؤكده، وجواب الشرط يجب بوجوبه، وإذا اجتمع القسم والجزاء كان جواب القسم أولى من جواب الجزاء، لأنه لما تقدم وصار الجزاء في حشو الكلام غلبه على الجواب فصار له واكتفى به من جواب الجزاء لدلالته عليه. وروى غياث بن إبراهيم عن أبي إسحاق الهمداني عن علي (ع) أنه قال: لما قتل ابن آدم (ع) أخاه بكا وقال:
تغيرت البلاد ومن عليها * فوجه الأرض مغبر قبيح
تغير كل ذي لون وطعم * وقل بشاشة الوجه المليح
فأجاب آدم (ع):
أيا هابيل قد قتلا جميعا * وصار الحي بالموت الذبيح
وجاء بشرة قد كان فيه * على خوف فجاء بها يصيح.