الشبهة الرابعة: كائن في هذه الامّة ما كان في الامم السالفة

إنّ التحريف قد وقع في التوراة والإنجيل، وقد ورد في الأحاديث عن النبي الكريم (صلّى الله عليه وآله وسلّم) أنّه: " كائن في امته ما كان في الامم السالفة " بل قال المحدّث العاملي - بعد أن روى طرفاً من تلك الأحاديث عن أكابر المحدّثين كالصدوق والكليني - " والأحاديث في ذلك كثيرة متواترة بين الشيعة والسنّة "(1).

وقال السيد الطباطبائي: " هي متضافرة أو متواترة "(2).

ومقتضى المماثلة المذكورة ينبئ عن وقوع التحريف في القرآن الكريم كما وقع في العهدين، وهذا يوجب الشك في هذا القرآن الموجود بين المسلمين.

وقد أجاب السيد الخوئي(3) عن هذه الشبهة بوجوه نلخصها ونتكلم عليها فيما يلي:

الأول: " إنّ هذه الأحاديث أخبار آحاد لا تفيد علماً ولا عملاً، ودعوى التواتر فيها جزافية لا دليل عليها، ولم يذكر من هذه الروايات شيء في الكتب الأربعة ".

أقول: ولكنّ إنكار تواتر هذه الأحاديث لا يفيد في الشبهة.

وقوله: " لم يذكر... ":

فيه: إنّ منها ما أخرجه الصدوق في (من لا يحضره الفقيه)، فقد جاء فيه في باب فرض الصلاة: " وقال النبي (صلّى الله عليه وآله وسلّم): يكون في هذه الامة كل ما كان في بني إسرائيل حذو النعل بالنعل، والقذة بالقذة "(4).

الثاني: لو سلّم تواتر هذه الأحاديث في السّند وصحّتها في الدلالة لما ثبت بها أنّ التحريف قد وقع فيما مضى من الزمن، فلعلّه يقع في المستقبل زيادة ونقيصة.

أقول: ولكن تجويز وقوع ذلك سواء في الماضي أو المستقبل، ينافي ما تقدّم من الأدلّة القويمة والشواهد الرصينة على امتناعه، لا سيّما وإن الله سبحانه قد وعد وضمن حفظ القرآن إلى يوم القيامة.

الثالث: إنّ المراد بالمماثلة والمشابهة ليس من جميع الوجوه، وإنّما المراد بها المماثلة من بعض الوجوه.

أقول: وبهذا الجواب اكتفى السيد الطباطبائي(5) وهو الصحيح، فإنّ كثيراً من القضايا التي وقعت في الامم السالفة لم تقع في هذه الامة، وبعضها لن يقع أصلاً، ومنها ما سيقع في المستقبل قطعاً.


1- الإيقاظ من الهجعة بالبرهان على الرجعة: 111.

2- الميزان 12: 120.

3- البيان: 220 - 221.

4- من لا يحضره الفقيه 1: 203.

5- الميزان 12: 120.