الآيات 6-10

قوله تعالى: ﴿إِنَّ الشَّيْطَانَ لَكُمْ عَدُوٌّ فَاتَّخِذُوهُ عَدُوًّا إِنَّمَا يَدْعُو حِزْبَهُ لِيَكُونُوا مِنْ أَصْحَابِ السَّعِيرِ، الَّذِينَ كَفَرُوا لَهُمْ عَذَابٌ شَدِيدٌ وَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَهُم مَّغْفِرَةٌ وَأَجْرٌ كَبِيرٌ، أَفَمَن زُيِّنَ لَهُ سُوءُ عَمَلِهِ فَرَآهُ حَسَنًا فَإِنَّ اللَّهَ يُضِلُّ مَن يَشَاء وَيَهْدِي مَن يَشَاء فَلَا تَذْهَبْ نَفْسُكَ عَلَيْهِمْ حَسَرَاتٍ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ بِمَا يَصْنَعُونَ، وَاللَّهُ الَّذِي أَرْسَلَ الرِّيَاحَ فَتُثِيرُ سَحَابًا فَسُقْنَاهُ إلى بَلَدٍ مَّيِّتٍ فَأَحْيَيْنَا بِهِ الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا كَذَلِكَ النُّشُورُ، مَن كَانَ يُرِيدُ الْعِزَّةَ فَلِلَّهِ الْعِزَّةُ جَمِيعًا إِلَيْهِ يَصْعَدُ الْكَلِمُ الطَّيِّبُ وَالْعَمَلُ الصَّالِحُ يَرْفَعُهُ وَالَّذِينَ يَمْكُرُونَ السَّيِّئَاتِ لَهُمْ عَذَابٌ شَدِيدٌ وَمَكْرُ أُوْلَئِكَ هُوَ يَبُورُ﴾

القراءة:

خمس آيات حجازي وكوفي، وست بصري وشامي، عد البصريون والشاميون ﴿ شديد ﴾ ولم يعده الباقون. قرأ أبو جعفر ﴿ فلا تذهب ﴾ بضم التاء وكسر الهاء ﴿ نفسك ﴾ بنصب السين. الباقون - بفتح التاء والهاء، ورفع السين. يقول الله تعالى مخبرا لخلقه من البشر ﴿ إن الشيطان لكم عدو ﴾ فيعدل بكم عن افعال الخير ويدعوكم إلى ما فيه الهلكة، فالعداوة ضد الولاية، ولا يجوز أن يكون أحد عدوا من وجه وليا من وجه، كما لا يجوز أن يكون موجودا من وجه معدوما من وجه، لان الصفتين متنافيتان. ثم أمرهم بأن يتخذوا الشيطان عدوا كما هو عدو لهم، وبين تعالى أن الشيطان ليس يدعو إلا حزبه أي أصحابه وجنده، وهم الذين يقبلون منه ويتبعونه. وبين انه إنما يدعوهم ليكونوا من أصحاب السعير بارتكاب المعاصي والكفر بالله تعالى، والسعير النار المستعرة. ثم اخبر تعالى ﴿ إن الذين كفروا ﴾ بآيات الله ويكذبون رسله ﴿ لهم عذاب شديد ﴾ جزاء على كفرهم وتكذيبهم، وإن ﴿ الذين آمنوا وعملوا ﴾ الافعال ﴿ الصالحات لهم مغفرة ﴾ من الله لذنوبهم ولهم ﴿ أجر ﴾ أي ثواب ﴿ كبير ﴾ ثم قال مقررا لهم ﴿ أفمن زين له سوء عمله فرآه حسنا ﴾ يعني الكفار زينت نفوسهم لهم أعمالهم السيئة فتصوروها حسنة أو الشيطان يزنيها لهم فيميلهم إلى الشبهة وترك النظر في الأدلة الدالة على الحق باغوائه حتى يتشاغلوا بما فيه اللذة وطرح الكلفة. وخبر (من) في قوله ﴿ أفمن زين له سوء عمله ﴾ محذوف وتقديره يتحسر عليه، وقيل: إن الخبر قوله ﴿ فان الله يضل من يشاء ﴾ إلا أنه وقع ﴿ من يشاء ﴾ موقعه. وقيل: جواب ﴿ أفمن زين ﴾ محذوف بتقدير: كمن علم الحسن من القبيح، وعمل بما علم. وقيل: كمن هداه الله. وفي ذلك دلالة على بطلان قول من يقول: إن المعارف ضرورة، لأنه دل على أنهم رأوا اعمالهم السيئة حسنة. وهذا رأي فاسد، ثم قال لنبيه صلى الله عليه وآله ناهيا له ﴿ فلا تذهب نفسك عليهم ﴾ يا محمد ﴿ حسرات ﴾. ومن فتح التاء جعل الفعل للنفس. والحسرة شدة الحزن على ما فات من الامر ﴿ إن الله عليم بما يصنعون ﴾ من المعاصي والطاعات فيجازيهم بحسبها. ثم قال ﴿ والله الذي ارسل الرياح فتثير سحابا ﴾ أي تنشئه وتجمعه وتجئ به وتحركه ﴿ فسقناه ﴾ إي فساقه الله ﴿ إلى بلد ميت ﴾ لم يمطر أي قحط وجدب فيمطر على تلك الأرض فيحيي بذلك الماء والمطر الأرض بعد موتها بالزرع بعد أن لم يكن فيها زرع. ثم قال: كما فعل هذا بهذه الأرض الجدبة القحطة من احيائها بالزرع بعد أن لم يكن فيها زرع مثل ذلك ينشر الخلائق بعد موتهم ويحشرهم إلى الموقف للجزاء من ثواب وعقاب. وقيل: إن الله تعالى إذا أراد احياء الخلق أمطر السماء أربعين يوما فينبت بذلك الخلق نباتا. ثم قال تعالى ﴿ من كان يريد العزة ﴾ يعني القدرة على القهر والغلبة ﴿ فلله العزة جميعا ﴾ أي له القهر على جميع الأشياء لا يقدر أحد ان يمنعه مما يريد فعله به. وقيل: معناه من كان يريد علم العزة لمن هي، فهي لله. وقيل: معناه من أراد العزة فليطع الله حتى يعزه. وقوله ﴿ إليه يصعد الكلم الطيب ﴾ قيل: معناه انه تعالى يقبله ويثيب عليه. وقيل: إليه يصعد اي إلى حيث لا يملك الحكم فيه إلا الله، كما يقال: ارتفع أمرهم إلى القاضي. وقوله ﴿ والعمل الصالح يرفعه ﴾ أي يقبله. وقيل: في الضمير الذي في ﴿ يرفعه ﴾ ثلاثة أوجه:

أحدها: يرفع الكلم الطيب من الفعل.

الثاني: يرفعه الكلم الطيب.

الثالث: يرفعه الله. ثم قال ﴿ والذين يمكرون السيئات ﴾ اي يحتالون لفعل السيئات من الشرك والكبائر. وقيل: هم أصحاب الرياء ﴿ لهم عذاب شديد ومكر أولئك هو يبور ﴾ قال قتادة: معناه مكرهم يفسد. وقيل: معنى يبور يكسد، فلا ينفذ في ما يريدون وقال مجاهد: هو ما عمل للرياء فإنه يفسد، قال ابن الزبعرى:

يا رسول المليك ان لساني * راتق ما فتقت إذ انا بور (1)


1- مر تخريجه في 6 / 294 و 7 / 479.