الآيات 46-50

قوله تعالى: ﴿وَمِنْ آيَاتِهِ أَن يُرْسِلَ الرِّيَاحَ مُبَشِّرَاتٍ وَلِيُذِيقَكُم مِّن رَّحْمَتِهِ وَلِتَجْرِيَ الْفُلْكُ بِأَمْرِهِ وَلِتَبْتَغُوا مِن فَضْلِهِ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ، وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا مِن قَبْلِكَ رُسُلًا إلى قَوْمِهِمْ فَجَاؤُوهُم بِالْبَيِّنَاتِ فَانتَقَمْنَا مِنَ الَّذِينَ أَجْرَمُوا وَكَانَ حَقًّا عَلَيْنَا نَصْرُ الْمُؤْمِنِينَ، اللَّهُ الَّذِي يُرْسِلُ الرِّيَاحَ فَتُثِيرُ سَحَابًا فَيَبْسُطُهُ فِي السَّمَاء كَيْفَ يَشَاء وَيَجْعَلُهُ كِسَفًا فَتَرَى الْوَدْقَ يَخْرُجُ مِنْ خِلَالِهِ فَإِذَا أَصَابَ بِهِ مَن يَشَاء مِنْ عِبَادِهِ إِذَا هُمْ يَسْتَبْشِرُونَ، وَإِن كَانُوا مِن قَبْلِ أَن يُنَزَّلَ عَلَيْهِم مِّن قَبْلِهِ لَمُبْلِسِينَ، فَانظُرْ إلى آثَارِ رَحْمَتِ اللَّهِ كَيْفَ يُحْيِي الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا إِنَّ ذَلِكَ لَمُحْيِي الْمَوْتَى وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ﴾

القراءة:

قرأ أبو جعفر وابن ذكوان " كسفا " بسكون السين. الباقون بتحريكها. وقرأ أهل الكوفة وابن عامر " إلى آثار " على الجمع وآماله الكسائي إلا أيا الحارث. الباقون على التوحيد. من سكن السين من كسف أراد جمع كسفة وهي القطعة الواحدة من السحاب، مثل سدرة وسدر. ويحتمل أن يكون الضمير في (خلاله) راجعا إليه. ويحتمل أن يكون راجعا إلى الخلال. ومن فتح السين أعاد الضمير إلى السحاب لا غير. ومن أفرد " اثر " فلانه مضاف إلى مفرد وجاز الجمع لان (رحمة الله) يجوز ان يراد بها الكثرة. يقول الله تعالى إن من الأدلة الدالة على توحيدي ووجوب اخلاص العبادة لي إرسال الرياح مبشرات بالغيث والمطر. وإرسال الرياح تحريكها واجراؤها في الجهات المختلفة تارة شمالا وتارة جنوبا وصبا، وأخرى دبورا على حسب ما يريده الله ويعلم فيه من المصلحة، وذلك لا يقدر عليه غيره تعالى، لان العباد وإن قدروا على جنس الحركة فلو اجتمع جميع الخلائق من الجن والإنس على أن يردوا الريح إذا هبت شمالا إلى كونها جنوبا وإذا هبت جنوبا إلى كونها شمالا أو صبا أو دبورا لما قدروا عليه، فمن قدر على ذلك يعلم أنه قادر لنفسه لا يعجزه شئ مستحق للعبادة خالصة له، وإنما سماها مبشرات، لأنها بمنزلة الناطقة إذا بشرت بأنه يجيئ مطر وغيث يحيى به الأرض لما فيها من إظهار هذا المعنى ودلالتها على ذلك بجعل جاعل، لأنه من طريق العادة التي أجراها الله تعالى. وقوله " وليذيقكم من رحمته " معطوف على المعنى، وتقديره أن يرسل الرياح للبشارة والإذاقة من الرحمة " ولتجري الفلك " بها " بأمره ولتبتغوا من فضله " أي تطلبوه، فارسال الرياح لهذه الأمور، ومعنى " لعلكم تشكرون " لتشكروا الله على نعمه. وإنما اتى بلفظ (لعلكم) تلطف في الدعاء إلى الشكر كالتلطف في الدعاء إلى البر، في قوله " من ذا الذي يقرض الله قرضا حسنا " (1) ثم خاطب نبيه صلى الله عليه وآله على وجه التسلية عن قومه في تكذيبهم إياه فقال " ولقد أرسلنا من قبلك " يا محمد " رسلا إلى قومهم فجاؤوهم بالبينات " يعني بالمعجزات، وفي الكلام حذف، لان تقديره فكذبوهم وجحدوا بهم فاستحقوا العذاب " فانتقمنا من الذين أجرموا وكان حقا علينا نصر المؤمنين " أي أوجبناه على نفوسنا أن ننصر المؤمنين من عبادنا. ثم قال تعالى " الله الذي يرسل الرياح فتثير سحابا " أي تنشئ سحابا فانشاء السحاب وإن كان من فعل الله لكن لما كان السحاب سببا منه جاز أن يسند إليها " فيبسطه في السماء " أي يبسط ذلك السحاب كيف شاء في السماء من كثافة ورقة وغير ذلك " ويجعله كسفا " أي قطعا - في قول قتادة - " فترى الودق " يعني المطر، قال الشاعر:

فلا مزنة ودقت ودقها * ولا أرض ابقل ابقالها (2)

" يخرج من خلاله " يعني من خلال السحاب " فإذا أصاب به " يعني بذلك المطر " من يشاء من عباده إذا هم يستبشرون " أي يفرحون ويبشر بعضهم بعضا به " وإن كانوا من قبل ان ينزل عليهم " المطر " من قبله لمبلسين " اي قانطين يائسين - في قول قتادة - وقوله " من قبله " في الموضعين فيه قولان:

أحدهما: انه للتوكيد.

والآخر: من قبل الارسال، والأول من قبل الانزال. ثم قال لنبيه صلى الله عليه وآله والمراد به جميع المكلفين " فانظر " يا محمد " إلى آثار رحمة ربك كيف يحيي الأرض بعد موتها " يحييها بالنبات بعد جدوبها " إن ذلك لمجيي الموتى " أي مثل ذلك يحيي الله الموتى بعد ان كانوا جمادا " وهو على كل شئ قدير " أي قادر وفيه مبالغة.


1- سورة 2 البقرة آية 245 وسورة 57 الحديد آية 11.

2- مر هذا البيت في 1 / 126 و 5 / 361 و 7 / 446.