الكلام على هذه الأخبار

الحديث الأول:

رواه الشيخ الكليني والشيخ الصفار، كلاهما بسند فيه " عمرو بن أبي المقدام " وقد اختلف علماء الرجال فيه على قولين، كما اعترف بذلك بعضهم(1).

الحديث الثاني:

رواه الشيخ الكليني والصفار أيضاً بسند فيه " المنخّل بن جميل الأسدي "

وقد ضعّفه أكثر علماء الرجال، بل كلّهم، وقالوا: إنّه فاسد العقيدة، وإنّه يروي الأحاديث الدالّة على الغلو في الأئمة عليهم السلام(2).

هذا بالإضافة إلى أنّه يمكن نفسير هذا الحديث وسابقة بمعنى آخر يساعد عليه اللفظ فيهما.

ولذا فقد قال السيد الطباطبائي في الخبرين ما نصّه: " قوله (عليه السلام): إنّ عنده القرآن كلّه... إلى آخره، الجملة وإن كانت ظاهرة في لفظ القرآن ومشعرة بوقوع التحريف فيه، لكنّ تقييدها بقوله: (ظاهره وباطنه) يفيد أنّ المراد هو العلم بجميع القرآن من حيث معانيه الظاهرة على الفهم العادي ومعانيه المستبطنة على الفهم العادي.

وكذا قوله في الرواية السابقة (وما جمعه وحفظه... إلى آخره) حيث قيّد الجمع بالحفظ، فافهم "(3).

وقد أورد السيد على بن معصوم المدني هذين الخبرين ضمن الأحاديث التي استشهد بها على أنّ أمير المؤمنين (عليه السلام) والأوصياء من أبنائه، علموا جميع ما في القرآن علماً قطعيّاً بتأييد إلهي وإلهام رباني وتعليم نبوي، وذكر أنّ الأحاديث في ذلك متواترة بين الفريقين، وعليه إجماع الفرقة الناجية، وأنّه قد طابق العقل في ذلك النقل(4).

وقد روى الشيخ الصفّار القمي حديثاً آخر في معنى الحديثين المذكورين هذا نصه بسنده: " جعفر بن أحمد، عن عبد الكريم بن عبد الرحيم، عن محمد بن علي القرشي، عن محمد بن الفضيل، عن الثمالي، عن أبي جعفر (عليه السلام)، قال: ما أحد من هذه الامة جمع القرآن إلاّ وصي محمّد (صلّى الله عليه وآله وسلّم) "(5). ولكن في سنده " محمد بن علي القرشي "(6).

الحديث الثالث:

فإن راويه هو " سالم بن سلمة " أو " سالم بن أبي سلمة " ومراجعة واحدة لكتب الرجال تكفي للوقوف على رأيهم في هذا الرجل. فقد ضعّفه ابن الغضائري والنجاشي والعلاّمة الحلّي والشيخ المجلسي وغيرهم(7). ويفيد الحديث مخالفة القرآن الذي جمعه أمير المؤمنين (عليه السلام) مع القرآن الموجود بين أيدينا، وسيأتي الكلام على ذلك في فصل (الشبهات). كما يفيد أيضاً مخالفة القرآن الكريم على عهد سيدنا الإمام المهدي (عليه السلام) لهذا القرآن، وسيأتي الكلام على هذا أيضاً في الفصل المذكور.

الحديث الرابع:

هو من رويات الشيخ العياشي في تفسيره(8)، وقد رواه عنه الشيخ الحرّ العاملي على النحو التالي: " وعن ميسر - أي وروى العياشي عن ميسر - عن أبي جعفر (عليه السلام)، قال: لولا أنّه زيد في كتاب الله ونقص منه ما خفي حقّنا على ذي حجا، ولو قد قام قائمنا قنطق صدّقه القرآن "(9).

ويبطل هذا الحديث إجماع المسلمين كافّة على عدم وقوع الزيادة في القرآن، وقد ادّعى هذا الإجماع: السيد المرتضى، وشيخ الطائفة، والشيخ الطبرسي، رضي الله تعالى عنهم.

وقال سيدنا الجدّ الميلاني: " هذا... على أنذ أحداً لم يقل بالزيادة ". وقال السيد الخوئي في بيان معاني التحريف: " الخامس: التحريف بالزيادة، بمعنى أنّ بعض المصحف الذي بأيدينا ليس من الكلام المنزل، والتحريف بهذا المعنى باطل بإجماع المسلمين، بل هو مما علم بطلانه بالضرورة "(10).

الحديث الخامس:

وقد صرّح الشيخ المجلسي رحمه الله بأنّه مجهول(11).

وفي الأول من تالييه: إنّه مرسل(12).

وفي الثاني منهما بأنّه: موثّق(13).

وظاهر هذه الأحاديث - وإن أنكر جماعة كالمجلسي والفيض وشارح الكافي - منافاة بعضها للبعض، كما اعترف بذلك السيد عبدالله شبر(14) وأوضح ذلك السيد هاشم معروف الحسني في دراساته.

الحديث السادس:

ضعّفه الشيخ المجلسي(15)، وأوّله المحدّث الكاشاني في الوافي: على أنّ المراد من تلك الآيات، ما كان مأخوذاً من الوحي من قبيل التفسير وتبيين المراد، لا من القرآن الكريم على حقيقته، حتى يقال إنّه يدلّ نقصان القرآن.

الحديث السابع:

هو من روايات الشيخ الصفار القمي والشيخ العياشي، وسيأتي الكلام عن رواياتهما، على أنّهما روياه عن " إبراهيم بن عمر " وقد اختلفوا في تضعيفه وتوثيقه على قولين(16).

ومن الممكن القول: بأنّ تلك الأسماء التي القيت إنما كانت مثبتة فيه على وجه التفسير لألفاظ القرآن، وتبيين الغرض منها، لا أنّها نزلت في أصل القرآن كذلك، كما قيل نظائره.

الحديث الثامن:

رواه الشيخ العياشي مرسلاً عن داود بن فرقد عمّن أخبره، عنه (عليه السلام)، وقد يجاب عنه أيضاً بمثل ما يجاب به عن الأحاديث الآتية.

الحديث التاسع:

رواه الشيخ الكليني عن البزنطي، وقد قال الشيخ المجلسي: إنّه مرسل(17).

واعترف شارح الكافي بكونه: مرفوعاً.

وروى نحوه الشيخ الكشي عنه أيضاً(18) وسيأتي ما في رواياته.

هذا... ولقد قال المحدّث الكاشاني بعده ما نصّه: " لعلّ المراد أنّه وجد تلك الأسماء مكتوبة في ذلك المصحف تفسيراً للذين كفروا وللمشركين، مأخوذة من الوحي، لا أنّها كانت من أجزاء القرآن...

وكذلك كل ما ورد من هذا القبيل عليهم السلام "(19).

الحديث العاشر:

ونظائره التي رواها الشيخان القمي والكليني وغيرهما، من الأحاديث الدالّة على حذف اسم أمير المؤمنين علي (عليه السلام) و " آل محمد " وكلمة " الولاية " وأسماء " المنافقين "... وغير ذلك.

ويغنينا عن النظر في أسانيد هذه الأحاديث واحداً واحداً اعتراف المحدّث الكاشاني بعدم صحتها، وحملها - على فرض الصحة - على أنّه بهذا المعنى نزلت، وليس المراد أنّها كذلك نزلت في أصل القرآن فحذف ذلك.

ثم قال - رحمة الله تعالى -: " كذلك يخطر ببالي في تأويل تلك الأخبار إن صحت... "(20).

وقال السيد الخوئي: " والجواب عن الاستدلال بهذه الطائفة: إنّا قد أو ضحنا فيما تقدّم أنّ بعض التنزيل كان من قبيل التفسير للقرآن، وليس من القرآن نفسه، فلا بدّ من حمل هذه الروايات على أنّ ذكر أسماء الأئمة في التنزيل من هذا القبيل، وإذا لم يتم هذا الحمل فلا بدّ من طرح هذه الروايات، لمخالفتها الكتاب والسنّة والأدلّة المتقدّمة على نفي التحريف. وقد دلّت الأخبار المتواترة على وجوب عرض الروايات على الكتاب والسنّة، وإن ما خالف الكتاب منها يجب طرحه وضربه على الجدار ".

وقال أيضاً: " ومما يدلّ على أنّ اسم أمير المؤمنين (عليه السلام) لم يذكر صريحاً في القرآن: حديث الغدير، فإنّه صريح في أنّ النبي (صلّى الله عليه وآله وسلّم) إنّما نصب علياً بأمر الله، وبعد أن ورد عليه التأكيد في ذلك وبعد أن وعده الله بالعصمة من الناس، ولو كان اسم " علي " مذكوراً في القرآن لم يحتج إلى ذلك النصب، ولا إلى تهيئة ذلك الاجتماع الحافل بالمسلمين، ولما خشي رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم) من إظهار ذلك، ليحتاج إلى التأكيد في أمر التبليغ ".

وقال بالنسبة إلى هذا الحديث بالذات:

" على أنّ الرواية الآخيرة المرويّة في الكافي مما لا يحتمل صدقه في نفسه، فإنّ ذكر اسم على (عليه السلام) في مقام إثبات النبوّة والتحدي على الإتيان بمثل القرآن لا يناسب مقتضى الحال ".

قال: " ويعارض جميع هذه الروايات صحيحة أبي بصير المروية في الكافي، قال: سألت أبا عبدالله (عليه السلام) عن قول الله: (أطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأولي الأمر منكم).

قال: فقال: نزلت في علي بن أبي طالب والحسن والحسين عليهم السلام.

فقلت له: إنّ الناس يقولون لهم: إنّ رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم) نزلت عليه الصلاة ولم يسّم لهم ثلاثاً ولا أربعاً، حتى كان رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم) فسّر لهم ذلك.

فتكون هذه الصحيحة حاكمة على جميع تلك الروايات، وموضّحة للمراد منها "(21).

هذا، وقد تقدّم عن الشيخ البهائي قوله: " وما اشتهر بين الناس من إسقاط اسم أمير المؤمنين (عليه السلام) منه في بعض المواضع، مثل تعالى: (يا ايّها الذين الرسول بلّغ ما انزل إليك - في علي -) وغير ذلك فهو غير معتبر عند العلماء "(22).

الحديث الحادي عشر:

فيجاب عنه - بعد غضّ النظر عن سنده - بأنّ الشيخ الطبرسي رحمة الله وغيره رووه عن ابن سنان بدون زيادة " ثم قال... "(23).

على أنّ نفس هذا الحديث، وكذا الحديثان الآخران(24) عن رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم) دليل على أنّ سورة الأحزاب كانت مدوّنة على عهده (صلّى الله عليه وآله وسلّم).

كما يجاب عنه - إن صح - بما اجيب عن نظائره فيما تقدّم.

ولنا أن نطالب - بعد ذلك كلّه - من يصحّح هذا الحديث ويعتمد عليه، أن يثبت لنا أن ذهبت هذه الكثرة من الآيات؟ وأن يذكر كيفيّة سقوطها - أو إسقاطها - من دون أن يعلم سائر المسلمين؟

ألم تكن الدواعي متوفّرة على أخذ القرآن وتعلّمه كلّما نزل من السماء؟ ألم تكن السورة تنتشر بمجرد نزولها بأمر النبي(25) (صلّى الله عليه وآله وسلّم) بين المسلمين وتقرأ في بيوتهم؟

الحديث الثاني عشر:

من روايات الشيخ الكشي، وسيأتي الكلام عنها بصورة عامة.

الحديث الثالث عشر:

سنده غير قويّ كما يتّصح ذلك لمن راجعه، ثمّ إنّ الشيخ النعماني نفسه قد روى حديثين آخرين:

أحدهما: عن أمير المؤمنين (عليه السلام) أيضاً، قال: " كأنّي أنظر إلى شيعتنا بمسجد الكوفة، وقد ضربوا الفساطيط يعلّمون الناس القرآن كما أنزل "(26).

والثاني منهما: عن أبي عبدالله الصادق (عليه السلام)، قال: " كأنّي بشيعة علي في أيديهم المثاني يعلّمون القرآن "(27).

وهذان الحديثان يعارضان الحديث المذكور.

وأوضح من ذلك قول الإمام الباقر (عليه السلام): " إذا قام القائم من آل محمد ضرب فساطيط لمن يعلّم الناس القرآن على أنزله الله عزّ وجلّ، فاصعب ما يكون على من حفظه اليوم، لأنّه يخالف فيه التأليف "(28).

وليتأمّل في قوله (عليه السلام): " لأنّه يخالف فيه التأليف " فإنّه يفيد فيما سيأتي.

أمّا الأحاديث المتبقية - 14، 15، 16 - فقد ضعّفها الشيخ المجلسي جميعها(29)، بالإضافة إلى أنّه يجاب عنها بما يجاب عن نظائرها.


1- تنقيح المقال 2: 323.

2- تنقيح المقال 3: 247.

3- حاشية الكافي 1: 228.

4- شرح الصحيفة السجادية: 401.

5- بصائر الدرجات للصّفار، وعنه في البحار89: 48، وانظر مرآة العقول المجلد 2: 535.

6- تنقيح المقال 3: 151.

7- نفس المصدر 2: 4.

8- تفسير العياشي 1: 13.

9- إثبات الهداة بالنصوص والمعجزات 3: 43.

10- البيان: 218.

11- مرآة العقول 12: 517.

12- مرآة العقول 12: 517.

13- نفس المصدر 12: 517.

14- مصابيح الأنوار في حل مشكلات الأخبار 1: 294.

15- مرآة العقول 12: 506.

16- تنقيح المقال 1: 27.

17- مرآة العقول 12: 521.

18- رجال الكشّي: 492.

19- الوافي 2: 273.

20- نفس المصدر 2: 274.

21- البيان 178 - 179.

22- نقله عنه في آلاء الرحمن: 26.

23- مجمع البيان 4: 334.

24- مجمع البيان، ورواه أهل السنة في كتبهم المعتبرة. انظر منها الدر المنثور 5: 179 عن جملة من كتب الحديث.

25- نصّ على هذا أكابر الطائفة، منهم العلامة الحلّي في كتابة نهاية الوصول، وقد تقدمت عبارته في الفصل الثاني من الكتاب.

26- الغيبة للنعماني: 317.

27- الغيبة للنعماني: 318.

28- روضة الواعظين: 265، الإرشاد للشيخ المفيد: 365.

29- مرآة العقول 5: 14، 29.