الآيات 26-30
قوله تعالى: ﴿فَآمَنَ لَهُ لُوطٌ وَقَالَ إِنِّي مُهَاجِرٌ إلى رَبِّي إِنَّهُ هُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ، وَوَهَبْنَا لَهُ إِسْحَقَ وَيَعْقُوبَ وَجَعَلْنَا فِي ذُرِّيَّتِهِ النُّبُوَّةَ وَالْكِتَابَ وَآتَيْنَاهُ أَجْرَهُ فِي الدُّنْيَا وَإِنَّهُ فِي الْآخِرَةِ لَمِنَ الصَّالِحِينَ، وَلُوطًا إِذْ قَالَ لِقَوْمِهِ إِنَّكُمْ لَتَأْتُونَ الْفَاحِشَةَ مَا سَبَقَكُم بِهَا مِنْ أَحَدٍ مِّنَ الْعَالَمِينَ، أَئِنَّكُمْ لَتَأْتُونَ الرِّجَالَ وَتَقْطَعُونَ السَّبِيلَ وَتَأْتُونَ فِي نَادِيكُمُ الْمُنكَرَ فَمَا كَانَ جَوَابَ قَوْمِهِ إِلاَّ أَن قَالُوا ائْتِنَا بِعَذَابِ اللَّهِ إِن كُنتَ مِنَ الصَّادِقِينَ، قَالَ رَبِّ انصُرْنِي عَلَى الْقَوْمِ الْمُفْسِدِينَ﴾
القراءة:
ست آيات حجازي وخمس في ما عداه عدوا " السبيل " آية ولم يعدها الباقون. قرأ أهل الحجاز وابن عامر وحفص ويعقوب " إنكم لتأتون الفاحشة " بهمزة واحدة على الخبر. وقرأه أهل الكوفة. إلا حفصا بهمزتين مخففتين على الاستفهام. وقرأ أبو عمرو كذلك إلا أنه بلين الثانية، ويفصل بينهما بألف، وأما " انكم لتأتون الرجال " فإنهم على أصولهم. حكى الله سبحانه ان إبراهيم لما دعا قومه إلى اخلاص عبادة الله وترك عبادة الأوثان، وقبح فعلهم في ذلك أنه صدق به لوط عليه السلام وآمن به. وكان ابن أخته، فإبراهيم خاله وهو قول ابن عباس وابن زيد والضحاك وجميع المفسرين. وقال لوط " اني مهاجر إلى ربي " معناه اي خارج من جملة الظالمين على جهة الهجر لهم لقبح أفعالهم إلى حيث أمرني ربي، ومن هذا هجرة المسلمين من مكة إلى المدينة وإلى أرض الحبشة، لأنهم هجروا ديارهم وأوطانهم لأذى المشركين لهم فأمروا بأن يخرجوا عنها. وقيل: هاجر إبراهيم ولوط من كوثى، وهي من سواد الكوفة إلى أرض الشام في قول قتادة. وقال " إنه هو العزيز الحكيم " الذي لا تضيع الطاعة عنده، العزيز الذي لا يذل من نصره. ثم قال " ووهبنا له " يعني لإبراهيم " إسحاق ويعقوب، وجعلنا في ذريته النبوة والكتاب " قيل: إنما لم يذكر إسماعيل مع أنه نبي معظم، لأنه قد دل عليه بقوله " وجعلنا في ذريته النبوة والكتاب " فترك ذكر اسمه لأنه يكفي فيه الدلالة عليه لشهرته وعظم شأنه، وذكر ولد ولده في سياقه ذكر ولده، لأنه يحسن اضافته إليه، لأنه الأب الأكبر له. وقوله " وآتيناه أجره في الدنيا " قال ابن عباس: الاجر في الدنيا الثناء الحسن، والولد الصالح، وقال الجبائي: هو ما أمر الله به المكلفين من تعظيم الأنبياء. قال البلخي: وذلك يدل على أنه يجوز أن يثيب الله في دار التكليف ببعض الثواب. و (الكتاب) أريد به الكتب، من التوراة والإنجيل والزبور والقرآن، غير أنه خرج مخرج الجنس. " وإنه في الآخرة لمن الصالحين " اخبار منه تعالى أن إبراهيم مع أنه آتاه أجره وثوابه في الدنيا إنه في الآخرة يحشره الله من جملة الصالحين العظيمي الاقدار، لما قاموا به من النبوة على ما أمر الله به، وقوله " ولوطا إذ قال لقومه " يحتمل نصبه أيضا بشيئين:
أحدهما: و (أرسلنا لوطا) عطفا على (نوحا وإبراهيم).
الثاني: بتقدير واذكر لوطا حين قال لقومه " انكم لتأتون الفاحشة " من قرأ بلفظ الاستفهام أراد به الانكار دون الاستعلام. ومن قرأ على الخبر أراد إن لوطا أخبرهم بذلك منكرا لفعلهم لا مفيدا لهم، لأنهم كانوا يعلمون ما فعلوه. والفاحشة - ههنا - ما كانوا يفعلونه من اتيان الذكران في أدبارهم " ما سبقكم بها " بهذه الفاحشة أحد من الخلائق. ثم فسر ما أراد بالفاحشة فقال " انكم لتأتون الرجال " يعني في أدبارهم، والفاحش الشنيع في القبح، فحش فلان يفحش فحشا وتفاحش تفاحشا إذا شنع في قبحه، وهو ظهوره بما تقتضي العقول بالبديهة رده وانكاره. وقوله " وتقطعون السبيل " قيل: انهم كانوا يقطعون الطريق لاخذ الأموال، وقيل: يقطعون سبيل الولد باتيان الذكران في الادبار، وقيل: بالعمل الخبيث، لأنهم كانوا يطلبون الغرباء " وتأتون في ناديكم المنكر " قال ابن عباس: كانوا يضرطون في مجالسهم، وقال السدي: كانوا يحذفون من مر بهم. وقال مجاهد: كانوا يأتون الرجال في مجالسهم. وقال الكلبي: منها الحذف، والصفير، ومضغ العلك، والرمي بالبندق، وحل أزرار القبا والقميص. وهي ثماني عشرة خصلة. وقال غيره: هي عشرة خصال. وقوله " فما كان جواب قومه إلا أن قالوا ائتنا بعذاب الله إن كنت من الصادقين " حكاية عما قال قوم لوط في جوابه حين عجزوا عن مقاومته بالحجة وانهم قالوا له " ائتنا بعذاب الله إن كنت من الصادقين " في دعواك النبوة وأن الله أرسلك وأمرك بما تدعو إليه، فقال عند ذلك لوط " رب انصرني على القوم المفسدين " الذين فعلوا المعاصي وارتكبوا القبائح وأفسدوا في الأرض والمعنى اكفني شرهم وأذاهم، ويجوز أن يريد أهلكهم، وانزل عذابك عليهم.