الآيات 145-146
قوله تعالى: ﴿إِنَّ الْمُنَافِقِينَ فِي الدَّرْكِ الأَسْفَلِ مِنَ النَّارِ وَلَن تَجِدَ لَهُمْ نَصِيرًا، إِلاَّ الَّذِينَ تَابُواْ وَأَصْلَحُواْ وَاعْتَصَمُواْ بِاللّهِ وَأَخْلَصُواْ دِينَهُمْ لِلّهِ فَأُوْلَئِكَ مَعَ الْمُؤْمِنِينَ وَسَوْفَ يُؤْتِ اللّهُ الْمُؤْمِنِينَ أَجْرًا عَظِيمًا﴾
القراءة والحجة:
قرأ أهل الكوفة إلا أبا بكر، الا العلمي (الدرك) بسكون الراء الباقون بفتحها وهما الغتان مثل نهر ونهر وشمع وشمع فمن فتح الراء قال في الجمع: إدراك في القلة والكثرة ومن سكنها قال إدراك وفي الكثير الدرك والتسكين لغة وليس يسكن من المفتوح، لان مثل ذلك لا يجوز تسكينه، فلا يسكن جمل وجبل وإنما هما لغتان مثل شمع وشمع ونهر ونهر. قالوا بفتح الراء افصح، سمع من العرب من يقول: أعطني دركا أصل به حبلي، يعني ما يصل به حبله الذي عجز عن بلوغ الركة.
المعنى:
ومعنى الآية الاخبار من الله أن المنافقين في الطبق الأسفل من النار. قال عبد الله: المنافقون في توابيت من حديد مغلقة عليهم في النار وبه قال أبو هريرة، وابن عباس. قال ابن جريج: قال عبد الله بن كثير وأبو عبيدة، سمعنا ان جهنم إدراك منازل. وليس يمتنع ان يجعل الله قوما من الكفار في الدرك الأسفل، كفرعون وهامان وأبى جهل، فان هؤلاء أعظم كفرا من المنافقين وليس في اخبار الله ان المنافقين هناك ما يمنع أن يكون غيرهم فيه أيضا، وان تفاضلوا في العقاب قال ابن جريج: هذه الآيات نزلت في عبد الله بن أبي وأصحابه. قال البلخي يجوز أن يكون الادراك منازل بعضها أسفل من بعض بالمسافة، ويجوز أن يكون ذلك اخبارا عن بلوغ الغاية في العقاب والإهانة، كما يقال بلغ فلانا السلطان الحضيض، وبلغ فلانا العرش. ويريدون بذلك علو المنزلة وانحطاطها لا المسافة. وقوله: " ولن تجد له نصيرا " معناه لا تجد يا محمد، لهؤلاء المنافقين إذا جعلهم الله في أسفل طبقة من النار ناصرا ينصرهم، فينقذهم من عذابه، ويدفع عنهم أليم عقابه، ثم استثنى فقال: " الا الذين تابوا " فاستثنى منهم التائبين من نفاقهم إذا اصلحوا نباتهم، وأخلصوا الدين لله، وتبرؤا من الآلهة والأنداد، واعتصموا يعني تمسكوا بكتاب الله وصدقوا رسله، فإنهم إذا فعلوا ذلك فإنهم يكونون مع المؤمنين في الجنة، ومحل الكرامة، ويسكنهم مساكنهم وما وعدهم من الجزاء على توبتهم، وسوف يؤتي الله المؤمنين اجرا عظيما. فكان تقدير الآية إن الذين راجعوا الحق، وأقروا بوحدانية الله، وتصديق رسوله، وما جاء به من عند الله، وأصلحوا اعمالهم فعملوا بما أمرهم الله به وأدوا فرضه وانتهوا عما نهاهم، وانزجروا عن معاصيه، وتمسكوا بعهد الله وميثاقه، فقطع حينئذ انه تعالى يؤتي المؤمنين، أي يعطيهم أجرا، يعني عظيما، ودرجات في الجنة كما اعطى من مات على النفاق منازل في النار في أسفل طبقة منها. وهذه الجملة معنى قول حذيفة بن اليمان، وجميع المفسرين. " وسوف يؤت الله " كتبت في المصحف بلا ياء تخفيفا ومثله " يوم يأت لا تكلم " وقوله: " ما كنا نبغ " وغير ذلك. وكان الكسائي يثبت الياء في الوصل دون الوقف، ثم رجع عنه. وأبو عمرو يثبتها في الوصل وأهل المدينة يثبتونها في الحالين.