الآيات 142-143
قوله تعالى: ﴿إِنَّ الْمُنَافِقِينَ يُخَادِعُونَ اللّهَ وَهُوَ خَادِعُهُمْ وَإِذَا قَامُواْ إلى الصَّلاَةِ قَامُواْ كُسَالَى يُرَآؤُونَ النَّاسَ وَلاَ يَذْكُرُونَ اللّهَ إِلاَّ قَلِيلاً، مُّذَبْذَبِينَ بَيْنَ ذَلِكَ لاَ إلى هَؤُلاء وَلاَ إلى هَؤُلاء وَمَن يُضْلِلِ اللّهُ فَلَن تَجِدَ لَهُ سَبِيلاً﴾
- قد بينا - في أول البقرة معنى الخداع من المنافقين، ومن الله (تعالى) وجملته ان الخداع من المنافقين اظهارهم الايمان الذي حقنوا به دماءهم وأموالهم، كما حقن المؤمنون على الحقيقة. وقال: الحسن والزجاج والأزهري ان معناه يخادعون نبي الله فسماه خداعا لله للاختصاص، كما قال: إن الذين يبايعونك إنما يبايعون الله فسمى مبايعة النبي صلى الله عليه وآله مبايعة الله، للاختصاص، لأنه بأمره. ومعنى الخداع من الله يحتمل أمرين:
أحدهما: ان يجازيهم على خداعهم فسمى الجزاء باسم الشئ، للازدواج، كما قال: " وجزاء سيئة سيئة مثلها " والجزاء ليس بسيئة. وقال: " ومكروا ومكر الله " والله لا يمكر، غير أنه يجازي عليه.
الثاني: ما حكم الله فيهم من منع دمائهم بما أظهروه من الايمان بلسانهم مع علمه بباطنهم، واعتقادهم الكفر استدراجا منه لهم في الدنيا حتى يلقوه يوم القيامة، فيوردهم بما ابطنوا هم نار جهنم. وقال السدي: يعطيهم الله نورا يوم القيامة يمشون به مع المسلمين، كما كانوا في الدنيا، ثم يسلبهم ذلك النور، ويضرب بينهم بسور، فذلك هو الخداع منه (تعالى). وبه قال ابن جريج، والحسن وغيرهم من المفسرين: على ما بيناه فيما مضى. وقوله: " وإذا قاموا إلى الصلاة قاموا كسالى يراؤون الناس " يعني ان المنافقين لا يعملون شيئا من اعمال العبادات التي أوجبها على المؤمنين على وجه القربة إلى الله، لأنهم غير موقنين بها، ولا ان لهم عليها ثوابا أو عقابا وإنما يفعلون ذلك إبقاء على أنفسهم، وحذرا من المؤمنين ان يقتلوهم، ويسلبوا أموالهم، فهم إذا قاموا إلى الصلاة، قاموا كسالى إليها رياء للمؤمنين، ليحسبوهم المؤمنون منهم، وليسوا منهم، لأنهم لا يعتقدون فرضها. وبه قال قتادة وابن زيد. وقوله: " ولا يذكر الله إلا قليلا " إنما وصف ما استثناه من ذكرهم لله بالقلة من حيث إنهم لا يقصدون به وجه الله، ولا التقرب إليه، لا ان شيئا من ذكر الله يوصف بأنه قليل، بل يوصف جميعه بأنه كثير، قال الحسن: وصفه بالقلة، لأنه كان لغير الله. وقال قتادة: لأنه لم يقبله الله وكلما رده الله، فهو قليل، وما قبله فهو كثير. وقال الجبائي: لأنهم. إذا قاموا إلى الصلاة، لم يذكروا غير تكبيرة الاحرام. وقوله: " مذبذبين " في موضع نصب على الحال. ومعناه انهم يقومون إلى الصلاة يعني المنافقين مترددين، لا إلى هؤلاء يعني المؤمنين فيفعلونه، فيستحقون به الثواب ولا إلى هؤلاء يعني الكفار فيجاهرون بالكفر، بل بين ذلك يظهرون الايمان، فيجري عليهم حكم أهله، ويبطنون الكفر فيستحقون به عقاب أهله. واصل التذبذب التحرك والاضطراب. قال النابغة:
ألم تر ان الله أعطاك سورة * يرى كل ملك دونها يتذبذب (1)
وقال الحسن بن علي المغربي: مذبذبين مطرودين من هؤلاء، ومن هؤلاء، من الذب الذي هو الطرد. وصف الله تعالى هؤلاء المنافقين بالحيرة في دينهم، وانهم لا يرجعون إلى صحة فيه، لا مع المؤمنين على بصيرة، ولامع الكفار على جهالة. وقال ابن عمر عن رسول الله صلى الله عليه وآله ان مثلهم مثل الشاة العائرة بين الغنمين تتحير، فتنظر إلى هذه والى هذه، لا تدري أيهما تتبع. وبهذه الجملة قال السدي وقتادة ومجاهد وابن جريج وابن زيد وغيرهم من المفسرين. وقوله: " ومن يضلل الله فلن تجد له سبيلا " يحتمل أمرين:
أحدهما: من يضله الله عن طريق الجنة، فلن تجد له سبيلا إلى طريق الجنة.
الثاني: من يجد له عقوبة على معاصيه عن طريق الرشاد والاسلام، ولم يوفقه، لحرمانه نفسه التوفيق بسوء اختياره، فلن تجد له سبيلا يعني طريقا إلى الحق يفضيه إليه.1- سورة البقرة، آية 26.