الآية 31

قوله تعالى: ﴿قَدْ خَسِرَ الَّذِينَ كَذَّبُواْ بِلِقَاء اللّهِ حَتَّى إِذَا جَاءتْهُمُ السَّاعَةُ بَغْتَةً قَالُواْ يَا حَسْرَتَنَا عَلَى مَا فَرَّطْنَا فِيهَا وَهُمْ يَحْمِلُونَ أَوْزَارَهُمْ عَلَى ظُهُورِهِمْ أَلاَ سَاء مَا يَزِرُونَ﴾

اخبر الله تعالى أنه خسر هؤلاء الكفار " الذين كذبوا بلقاء الله " يعني الذين كذبوا بما وعد الله به من الثواب والعقاب وجعل لقاءهم لذلك لقاء له تعالى مجازا، كما يقول المسلمون لمن مات منهم: قد لقي الله وصار إليه. وإنما يعنون: لقي ما يستحقه من الله وصار إلى الموضع الذي لا يملك الامر فيه سواه، كما قال " ولقد كنتم تمنون الموت من قبل أن تلقوه فقد رأيتموه وأنتم تنظرون " (1) والموت لا يشاهد، وإنما أراد انكم كنتم تمنون الموت من قبل ان تلقوا أسبابه، فقد رأيتم أسبابه وأنتم تنظرون، فجعل لقاء أسبابه لقاء ه. وقوله " حتى إذا جاءتهم الساعة بغتة " كل شئ أتى فجأة، فقد بغت يقال: قد بغته الامر يبغته بغتا وبغتة إذا أتاه فجأة قال الشاعر:

ولكنهم ماتوا ولم أخش بغتة * وافظع شئ حين يفجؤك البغت (2)

وقوله " قالوا يا حسرتنا على ما فرطنا فيها " قد علم أن الحسرة لا تدعى وإنما دعاؤها تنبيه للمخاطبين. و (الحسرة) شدة الندم حتى يحسر النادم كما يحسر الذي تقوم به دابته في السفر البعيد. قال الزجاج: العرب إذا اجتهدت في المبالغة في الاخبار عن أمر عظيم يقع فيه جعلته نداء، فلفظه لفظ ما ينبه، والمنبه به غيره، كقوله " يا حسرة على العباد " (3) وقوله " يا حسرتي على ما فرطت " (4) و " يا ويلتا أألد وأنا عجوز " (5) و " يا ويلنا من بعثنا من مرقدنا هذا " (6)، فهذا أبلغ من أن يقول: أنا أتحسر على العباد وأبلغ من أن يقول: الحسرة علينا في تفريطنا. قال سيبويه: إذا قلت يا عجباه فكأنك قلت احضر وتعال يا عجب، فإنه من أزمانك. وتأويل " يا حسرتنا " انتبهوا على أنا قد خسرنا. وقوله " على ما فرطنا فيها " يعني قدمنا العجز. وقيل معناه ما ضيعنا فيها يعني في الساعة. وإنما يحسروا على تفريطهم في الايمان والتأهب لكونها بالأعمال الصالحة. وقوله " وهم يحملون أوزارهم " يعني ثقل ذنوبهم، وهذا مثل جائزان يكون جعل ما ينالهم من العذاب بمنزلة أثقل ما يتحمل، لان الثقل قد يستعمل في الوزن وقد يستعمل في الحال تقول في الحال: قد ثقل علي خطاب فلان، ومعناه كرهت خطابه كراهة اشتدت علي. ويحتمل أن يكون المراد بالأوزار العقوبات التي استحقوها بالذنوب والعقوبات قد تسمى أوزارا، فبين أنه لثقلها عليهم يحملونها على ظهورهم. وذلك يدل على عظمها. و (الوزر) الثقل في اللغة اشتقاقه من الوزر، وهو الجبل الذي يعتصم به. ومنه قيل: وزير، كأنه يعتصم الملك به، ومنه قوله " واجعل لي وزيرا من أهلي هارون أخي " (7) وقال " وجعلنا معه أخاه هارون وزيرا " (8). وقوله " الا ساء ما يزرون " يعني بئس الشئ شيئا يزرونه أي يحملونه، وقد بينا عمل (بئس، ونعم) فيما مضى. ومثله " ساء مثلا القوم " (9) ومعناه ساء مثلا مثل القوم. وقال بعضهم: معنى " يحملون أوزارهم على ظهورهم " وصف افتضاحهم في الموقف بما يشاهدونه من حالهم وعجزهم عن عبور الصراط كما يعبره المخفون من المؤمنين. ومعنى قوله " ألا ساء " ما ينالهم جزاء لذنوبهم واعمالهم الردية إذ كان ذلك عذابا ونكالا. وقوله " يزرون " من وزر يزر وزرا إذا أثم. وقيل أيضا، وزر، فهو موزور إذا فعل به ذلك. ومنه الحديث في النساء يتبعن جنازة قتيل لهن (أرجعن موزورات غير مأجورات) والعامة تقول مازورات.

1- سورة 3 آل عمران آية 143.

2- قائله: يزيد بن ضبة الثقفي. اللسان (بغت) ومجاز القرآن 1: 193.

3- سورة 36 يس آية 30.

4- سورة 39 الزمر آية 56.

5- سورة 11 هود آية 72.

6- سورة 36 يس آية 52.

7- سورة 20 طه آية 29 - 30.

8- سورة 25 الفرقان آية 35.

9- سورة 7 الأعراف آية 176.