المقصود بالبيان هو الصلة وليس الموصول

ثم أنه تعالى قال: "الذي يدعّ" فأتى باسم الموصول، ولم يأت بالاسم الظاهر، أو بالضمير لأجل التنصيص على الصلة. وذلك لأنك تارة تريد أن تعرّف شخصًا، كزيد مثلاً، فتقول: هو شاب أبيض اللون طويل، الخ. من دون أن يكون لهذه الأوصاف أية قيمة سوى أنها تعرّف مخاطبك به، وتميزه له عن غيره.

ومرّة يكون المقصود هو التعريف بأوصافه، أو أفعاله، حيث يراد التنفير منها والردع عنها، فتقول: هو قاس، ظالم، منحرف، يدع اليتيم، ويكذب بيوم الدين، من دون أن يكون لك غرض بالشخص، من حيث طوله، وعرضه، واسمه، وعنوانه، ولا تريد تمييزه عن غيره.

فالمقصود هو صلة الموصول وهو أنه منحرف، وقاس، ويدع الخ. وليس المقصود نفس الموصول. فيصحّ منك ? والحالة هذه ? أن تتحدث عنه بواسطة الإشارة بذا، ثم الحديث عنه بالموصول، وذلك من أجل التوصل إلى تقبيح فعله، وإدانة ما يصدر منه من تصرفات، وتسجيل تحفّظ على هذا النوع من الاتجاه الانحرافي، والتفكير المريض.

﴿يَدُعُّ الْيَتِيمَ﴾:

ونلاحظ هنا: أن الله سبحانه وتعالى لم يقل: يدفع اليتيم، أو يردّ اليتيم، وإنما قال: يدعّ اليتيم. والدعُّ هو الدفع بجفاء وقسوة، وعدم احترام. ومن الواضح: أن أقصى درجات سوء الخلق هو أن تدفع يتيمًا عنك، وهو مقبل عليك، بكل أمل ورجاء ? نعم تدفعه - بقسوة، وعنف، وبدون احترام.

ولو أنه تعالى قال: يدفع اليتيم، لاحتمل السامع أن يكون قد دفعه برفق، فإن مجرد دفعه لا يدل على أنه لا يحترمه، أو لا يعطف عليه، فلعلّه دفعه، لأنه لا يريد، أو لا يستطيع أن يلبّي طلباته.

ولكنك حين تقول: يدعُّ، فإن معناه: أنه يتصرّف تصرّفًا مسيئًا ومشينًا على جميع الاحتمالات، وذلك لما يتضمنه من عنف وقسوة، وهذا لا يناسب حالة اليتيم، ولا ينسجم مع عنوان اليتيم، الذي يستبطن حالة الحاجة إلى العطف وإلى الاحتضان، ويشير إلى أنّ إقباله على ذلك الشخص هو إقبال اليتيم، وليس إقبال الطاغي، والباغي.

الأمر ليس مجرّد حدث قد مضى وانقضى:

ثم إنه تعالى لم يقل: فذلك الذي دعّ اليتيم، ربما لأنه يريد أن يبيّن أن هذا الفعل مما جرت عليه عادته وسيرته، فهو حالة مستمرة الصدور منه. فكأن هذا العمل يصدر منه عن طبيعة وخلق، الأمر الذي صحح الإشارة إلى هذا الاستمرار الطبيعي بواسطة الفعل المضارع.