الآية255
قوله تعالى: ﴿اللّهُ لاَ إِلَهَ إِلاَّ هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ لاَ تَأْخُذُهُ سِنَةٌ وَلاَ نَوْمٌ لَّهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الأَرْضِ مَن ذَا الَّذِي يَشْفَعُ عِنْدَهُ إِلاَّ بِإِذْنِهِ يَعْلَمُ مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَمَا خَلْفَهُمْ وَلاَ يُحِيطُونَ بِشَيْءٍ مِّنْ عِلْمِهِ إِلاَّ بِمَا شَاء وَسِعَ كُرْسِيُّهُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ وَلاَ يَؤُودُهُ حِفْظُهُمَا وَهُوَ الْعَلِيُّ الْعَظِيمُ﴾
آية واحدة (1).
الاعراب:
" الله " رفع بالابتداء " ولا إله إلا هو الحي القيوم " خبره. والكلام مخرجه مخرج النفي أن يصح إله سوى الله. وحقيقة الاثبات الا له واحد هو الله. كأنه قيل الله الا له دون غيره. وارتفع هو في لا إله إلا هو على أحد وجهين:
أحدهما: بالابتداء كأنه قال ما إله إلا الله.
والثاني: أن يكون بدلا كأنه قال ما إله ثابتا إلا الله. ويجوز في العربية لا إله إلا الله بالنصب على الاستثناء. وفيه دلالة على الامر باخلاص العبادة لله تعالى.
اللغة والمعنى:
والحي هو من كان على صفة لا يستحيل معها كونه عالما قادرا، وان شئت قلت: هو من كان على صفة يجب لأجلها أن يدرك المدركات، إذا وجدت. والقيوم أصله قيوم على وزن فيعول. إلا أن الياء الساكنة إذا كانت بعدها واو متحركة قلبت ياء وأدغمت فيها قياسا مطردا. والقيام أصله قيوام على وزن فيعال. وقيل في معنى القيوم، أربعة أقوال: :
أحدها: قال الحسن إنه القائم على كل نفس بما كسبت حتى يجازيها بعملها من حيث هو عالم لا يخفى عليه شئ منه.
الثاني: قال سعيد بن جبير: إن معناه الدائم الوجود.
الثالث: قال قتادة: معناه: القائم بتدبير خلقه.
الرابع: قال قوم: إن معناه العالم بالأمور من قولهم: فلان قيوم هذا الكتاب أي هو عالم به. وكل هذه الوجوه تحتمل. وقال أمية بن أبي الصلت: لم تخلق السماء والنجوم * والشمس معها قمر يقوم قدره المهيمن القيوم * والحشر والجنة والجحيم إلا لامر شأنه عظيم (2) وقوله: " لا تأخذه سنة ولا نوم " فالسنة النوم بلا خلاف قال عدي ابن الرقاع: وسنان أقصده النعاس فرنقت * في عينه سنة وليس بنائم (3) فالسنة الثقلة من النعاس، تقول: وسن فلان وسنا إذا أخذته سنة النعاس، وقد علته وسنة، ورجل وسنان ووسن، وامرأته وسنانة، ووسنى، وأصل الباب: النعاس. والنوم الاستثقال في النوم، تقول نام ينام نوما وأنامه إنامة، ونومه تنويما وتناوم تناوما، واستنام إليه: إذا استأنس إليه، واطمأن إلى ناحيته، لان حاله معه كحالة النائم في المكان أنسا به وأصل الباب النوم خلاف اليقظة. وقوله: " ما في السماوات وما في الأرض " معناه أن أحدا ممن له شفاعة لا يشفع إلا بعد أن يأذن الله له في ذلك ويأمره به، فأما أن يبتدئ أحد بالشفاعة من غير إذن، كما يكون فيما بيننا، فليس ذلك لاحد. وقوله: " يعلم ما بين أيديهم وما خلفهم " قال: ابن جريج ومجاهد والسدي: معناه ما مضى من الدنيا وما خلفهم من الآخرة. وقوله: " ولا يحيطون بشئ من علمه " معناه من علومه، كقول القائل: اللهم اغفر لنا علمك فينا، فإذا ظهرت آية يقولون قدرة الله أي مقدور الله وقوله: " وسع كرسيه " قال ابن عباس كرسيه: علمه وهو المروي عن أبي جعفر، وأبي عبد الله (ع). وقال الحسن: الكرسي هو العرش. وقيل: هو سرير دون العرش وقد روي ذلك عن أبي عبد الله (ع). وقيل: أصل ملكه. وكل ذلك محتمل. أما العلم، فلانه يقال للعلماء الكراسي، لأنهم المعتمد كما يقال: هم أوتاد الأرض، وهم الأصل الذي يعتمد عليه. ويقال لكل أصل يعتمد عليه. كرسي قال الشاعر: تحف بهم بيض الوجوه وعصبة * كراسي بالاحداث حين تنوب (4) أي علماء بحوادث الأمور. وقال آخر: نحن الكراسي ما تعد هوازن * أفعالنا في النائبات ولا أسد وقال آخر: مالي بأمرك كرسي كاتمه * وهل بكرسي علم الغيب مخلوق وكل شئ تراكب فقد تكارس تكارسا، ومنه الكراسة لتراكب بعض ورقها على بعض قال العجاج: يا صاح هل تعرف رسما مكرسا * قال نعم أعرفه وأبلسا (5) أي تكارس عليه التراب، فغطاه، والكرس البعر والبول: إذا تلبد بعضه على بعض، والاكارس الجموع الكثيرة، لا واحد له، لأنه بكثرته بمنزلة ما تراكب بعضه على بعض. ورجل كروس شديد الرأس، لأنه تضاعف القوى كتراكب الشئ بعضه على بعض، والكرياس: كنيف في أعلى السطح بقناة إلى الأرض، لتراكب بعض ابنيته على بعض، وسمي الكرسي بذلك، لتركيب بعضه على بعض. ويقال: كرسي الملك من مكان كذا إلى مكان كذا أي ملكه تشبيها بالكرسي المعروف. وكرس يكرس كرسا، وأكرس إكراسا، وتكارس تكارسا، وتكرس تكرسا، وكرسه تكريسا، وأصل الباب الكرس: تراكب الشئ بعضه على بعض. والوجه في خلق الكرسي إذا قلنا: أنه جسم هو أن الله تعبد تحمله الملائكة والتعبد عنده كما تعبد البشر بزيادة، ولم يخلقه ليجلس عليه، كما تقول المجسمة. واختاره الطبري، لأنه عز وجل يتعالى عن ذلك، لان ذلك من صفات الأجسام ولو احتاج إلى الجلوس عليه، لكان جسما ومحدثا وقد ثبت قدمه. وقوله: " ولا يؤوده حفظهما " أي لا يثقله، والهاء في يؤوده راجعة إلى الله وقيل إنها عائدة إلى الكرسي. والاود مصدر، آده يؤوده أودا وأيادا إذا أثقله وجهده، وأودت العود فأنا آوده أودا، فانآد ومعناه عجته فانعاج، لأنه اعتمد عليه بالثقل حتى مال، والأود، والأوداء على وزن أعوج وعوجاء والمعنى واحد والجمع الأود بوزن العوج وأصل الباب الثقل. وقوله: " وهو العلي العظيم " فالعلى يعنى بالاقتدار ونفوذ السلطان. ويقال علا بالاقتدار، ولا يقال رفيع، لان الرفعة من المكان، والعلو منقول إلى معنى الاقتدار يوضح ذلك قولهم: علا قرنه بمعنى اقتدر ولا يقال ارتفع عليه بمعنى اقتدر وكذلك استعلى عليه بالحجة، ولا يقال ارتفع عليه بالحجة. وتقول: علا يعلو علوا وأعلى إعلاء وعلى تعلية واستعلى استعلاء. وتعلى تعليا. وتعالى تعاليا واعتلاه اعتلاء، وعالى معالاة. والعلو - بضم العين وكسرها - نقيض السفل، والعلو التجبر، ومنه قوله تعالى: " إن فرعون علا في الأرض " (6) أي تجبر، لأنه طلب الاستعلاء على الناس بالسلطان والقهر. والله العالي والمتعالي أي القادر القاهر، لأنه عال بالاقتدار، لأنه لا يعجزه شئ والعالية: القناة المستقيمة، لاستمرارها في جهة العلو. وفلان من علية الناس أي من أشرافهم، لأنه علا بشرفه. والعلية: الغرفة وأصل الباب العلو. والعظيم معناه عظيم الشأن بأنه قادر، ولا يعجزه شئ، وعالم لا يخفى عليه شئ، فلا نهاية لمقدوره ومعلومه، وقال قوم: العظيم بمعنى المعظم كما قالوا في الخمر العتيقة معتقة، والأول أقوى لان على هذا كان يجب ألا يوصف بأنه عظيم فيما لم يزل وقد علمنا خلافه.1- وفي مجمع البيان والمصحف الهاشمي آيتان، وفي أكثر التفاسير آية واحدة.
2- ديوانه: 57، وتفسير أبي حيان 25: 277 ورواية أبي حيان (قمر يعوم) بدل (قمر يقوم) وفي تفسير الطبري قد اجتهد محققه فأخطأ، لأنه أثبت (والجسر) بدل (والحشر) راجع صفحة 388 من المجلد الخامس في تفسير الطبري.
3- الشعر والشعراء: 602، واللسان " وسن "، "؟".
4- أساس البلاغة (كرس).
5- ديوانه؟: 31، والكامل 1: 252، واللسان (بلس)، (كرس). يقال: ابلس الرجل أي سكت عما في نفسه، وانكر وتحير، ولم ينطق. قد مر في 1: 153.
6- سورة القصص آية: 4.