البعد عن ساحة الكرامة

وقد جاء بكلمة "ذلك" للإشارة إلى المخاطب البعيد أكثر من المعتاد: لأن كلمة ذاك للبعيد، وذلك للأبعد. فيرد هنا سؤال هو: إن كلمة "رأيت" فيها إلماح إلى قرب ذلك الذي يتحدث عنه، لأنه على مرأى ومسمع منه، حتى أنه يقول للمخاطب، "أرأيت".

والإشارة بكلمة ذلك صريحة في بعده عن ساحة القرب أكثر من المعتاد، فكيف نجمع بين الأمرين؟ والجواب: إن كلمة "رأيت" تشير إلى أن من يدعّ اليتيم، لا يخجل بفعله، بل هو يتجاهر به، وكأنه من الأمور العادية عنده، حتى إنه ليراه القريب والبعيد يفعل ذلك.

واستعمل اسم الإشارة للأبعد، للتأكيد على إرادة تحقير هذا الشخص، وأنه منبوذ عن مقام التشريف والكرامة، ولا يستحق أن يكون في محضر الناس الذين يحترمون أنفسهم، لأنه شخص رذل، سفيه، منحط في أخلاقه. ولأجل ذلك لم يقل: فهو الذي يدعّ اليتيم، ولا قال: فذا الذي، ولا قال: ذاك الذي، بل استعمل الإشارة للأبعد، فقال: "ذلك"، لإظهار المبالغة في إبعاده عن مقام الكرامة، لأنه لا يملك صفات تؤهله لأن يكرم.