الآيات 82-83

قوله تعالى: ﴿فَلَمَّا جَاء أَمْرُنَا جَعَلْنَا عَالِيَهَا سَافِلَهَا وَأَمْطَرْنَا عَلَيْهَا حِجَارَةً مِّن سِجِّيلٍ مَّنضُودٍ، مُّسَوَّمَةً عِندَ رَبِّكَ وَمَا هِيَ مِنَ الظَّالِمِينَ بِبَعِيدٍ﴾

تمام الآية الأولى في المدني قوله " سجيل " وعند الباقين قوله " منضود ". قيل في قوله " فلما جاء أمرنا " ثلاثة أقوال:

أحدها: جاء أمرنا الملائكة باهلاك قوم لوط.

الثاني: جاء أمرنا يعني العذاب، كأنه قيل (كن) على التعظيم وطريق المجاز، كما قال الشاعر:

فقالت له العينان سمعا وطاعة * وحدرتا كالدر لما يثقب (1).

والثالث: أن يكون الامر نفس الاهلاك، كما يقال: لامر ما، أي لشئ ما وقال الرماني: إنما قال أمرنا بالإضافة ولم يجز مثله في شئ، لان في الامر معنى التعظيم، فمن ذلك الامر خلاف النهي، ومن ذلك الامارة، والتأمر. وقوله " جعلنا عاليها سافلها " معناه قلبنا القرية أسفلها أعلاها " وأمطرنا عليها " يعني أرسلنا على القرية حجارة بدل المطر حتى أهلكتهم عن آخرهم. والأمطار إحدار المطر من السماء. وقوله " من سجيل " قيل في معنى سجيل ثمانية أقوال:

أحدها: انها حجارة صلبة ليست من جنس حجارة الثلج والبرد. وقيل هو فارسي معرب (سنل، وكل) ذكره ابن عباس وقتادة ومجاهد وسعيد بن جبير.

الثاني: قال الفراء من طين قد طبخ حتى صار بمنزلة الآجر، ويقويه قوله " لنرسل عليهم حجارة من طين " (2). وقال أبو عبيدة انها شديدة من الحجارة وانشد لابن مقبل: ضربا تواصى به الابطال سجينا " (3) إلا أن النون قبلت لاما.

الثالث: من مثل السجيل في الارسال، والسجيل الدلو، وقال الفضل ابن العباس:

من يساجلني يساجل ماجدا * يملا الدلو إلى عقد الكرب (4).

الرابع: من أسجلته إذا أرسلته، فكأنه مثل ما يرسل في سرعة الارسال.

الخامس: من أسجلته إذا أعطيته، فتقديره مرسل من العطية في الادرار.

السادس: من السجل وهو الكتاب، فتقديره من مكتوب الحجارة، ومنه قوله " كلا ان كتاب الفجار لفي سجين وما ادراك ما سجين كتاب مرقوم " (5) وهي حجارة كتب الله ان يعذبهم بها، اختاره الزجاج.

السابع: من سجين اي من جهنم ثم ابتدلت النون لاما.

الثامن: قال ابن زيد من السماء الدنيا، وهي تسمى سجيلا. ومعنى " منضود " قيل فيه قولان:

أحدهما: قال الربيع نضد بعضه على بعض حتى صار حجرا، وقال قتادة مصفوف في تتابع، وهو من صفة سجيل، فلذلك جره. وقوله " مسومة " يعنى معلمة، وذلك أنه جعل فيها علامات تدل على أنها معدة للعذاب، فأهلكوا بها، قال قتادة: كانوا أربعة آلاف الف.

وقيل: كانت مخططة بسواد وحمزة ذكره الفراء فتلك تعليمها، ونصب (مسومة) على الحال من الحجارة. وقوله " عند ربك " معناه في خزائنه التي لا يتصرف في شئ منها إلا باذنه، فإذا أمر الملك ان يمطرها على قوم فعل ذلك باذنه. واصل المسومة من السيماء، وهي العلامة، وذلك أن الإبل السائمة تختلط في المرعي، فيجعل عليها السيماء لتمييزها. وقوله " وما هي من الظالمين ببعيد " قيل في معناه قولان:

أحدهما: ان مثل ذلك ليس ببعيد من ظالمي قومك يا محمد أراد به اذهاب قريش، وقال أبو علي ذلك لا يكون إلا في زمان نبي أو عند القيامة، لأنه معجز.

الثاني: قال " وما هي من الظالمين ببعيد " يعنى من قوم لوط انها لم تكن تخطيهم. وقال مجاهد: إن جبرائيل (ع) ادخل جناحه تحت الأرض السفلى من قوم لوط ثم أخذهم بالجناح، الأيمن فاخذهم مع سرحهم ومواشيهم. ثم رفعها إلى سماء الدنيا حتى سمع أهل السماء نباح كلابهم. ثم قلبها، فكان أول ما سقط منها شرافها، فذلك قول الله تعالى " فجعلنا عاليها سافلها " قال السدي وهو قوله " والمؤتفكة اهوى " (6) وإنما أمطر الله عليهم الحجارة بعد أن قبلت قريتهم تغليظا للعذاب وتعظيما له، وقيل قتل بها من كان بقي حيا، وقرية قوم لوط يقال لها: سدوم، بين المدينة والشام. وقيل إن إبراهيم (ع) كان يشرف عليها فيقول: سدوم يوم مالك.


1- مر تخريجه في 1: 431 وهو في مجمع البيان 3. 185.

2- سورة الذاريات آية 33.

3- مجمع البيان 3. 183 ومجاز القرآن 1. 296 واللسان (سجل)، (سجن) وتفسير الطبري 15. 434.

4- تفسير الطبري 15. 435.

5- سورة المطففين آية 7 - 9.

6- سورة النجم آية 53.