الآية 71
قوله تعالى: ﴿وَامْرَأَتُهُ قَآئِمَةٌ فَضَحِكَتْ فَبَشَّرْنَاهَا بِإِسْحَقَ وَمِن وَرَاء إِسْحَقَ يَعْقُوبَ﴾
القراءة:
قرأ ابن عباس وحمزة وحفص ويعقوب (فبشرناها) بنصب الباء. الباقون بالرفع. قال أبو علي من رفع فبأحد أمرين:
أحدها: بالابتداء.
والآخر: بالظرف على مذهب من رفع وذلك بين. ومن فتح احتمل ثلاثة أشياء:
أحدها: أن يكون في موضع جر والمعنى فبشرناها بإسحاق ويعقوب، وقال أبو الحسن: وهو قوي في المعنى، لأنها قد بشرت به قال وفي اعمالها ضعف، لأنك فصلت بين الجار والمجرور بالظرف كما لا يجوز مررت بزيد في الدار والبيت عمرو. وقال الرماني لا يجوز ذلك لأنه يجب منه العطف على عاملين، وذلك لا يجوز، لأنه أضعف من العامل الذي قام مقامه وهولا يجر ولا ينصب.
الثاني: بجمله على موضع الجار والمجرور كقول الشاعر: إذا ما تلاقينا من اليوم أو غدا (1) وكقراءة من قرأ " حورا عينا " بعد قوله " يطاف عليهم " بكذا (2) ومثله قوله: فلسنا بالجبال ولا الحديدا (3) وكقول الشاعر:
جئني بمثل بني بدر لقومهم * أو مثل أسرة منظور بن سيار
أو عامر بن طفيل في مراكبه * أو حارثا حين نادى القوم يا جار (4)
فنصب (عامرا) و (حارثا) كأنه قال أو جئتي بعامر فلما اسقط حرف الجر نصب.
الثالث: أن تحمله على فعل مضمر، كأنه قال فبشرناه بإسحاق، ووهبنا له يعقوب. قال أبو علي الفارسي: والوجه الأول نص سيبويه في فتح مثله نحو مررت بزيد أول أمس وأمس عمرو، وكذلك قال أبو الحسن قال: لو قلت مررت بزيد اليوم وامس عمرو، كان حسنا ولم يحسن الحمل على الموضع على حد مررب بزيد وعمرا، فالفصل فيها أيضا قبيح كما قبح الحمل على الجار وغير الجار، فهذا في القياس مثل الجار في القبح لان الفعل يصل بحرف العطف وحرف العطف هو الذي يشرك في الفعل، وبه يصل الفعل إلى المفعول به، كما يصل الجار فإذا قبح الأمران وجب أن تحمل قراءة من قرأ بالنصب على تقدير فعل آخر مضمر يدل عليه (بشرنا). وقيل في معنى قوله " وامرأته قائمة " ثلاثة أوجه:
أحدها: انها كانت قائمة بحيث ترى الملائكة فضحكت سرورا بالسلامة وأردف ذلك السرور بما كان من البشارة.
الثاني: انها كانت قائمة من وراء الستر تستمع إلى الرسل.
الثالث: انها كانت قائمة تخدم الأضياف وإبراهيم جالس. وقال مجاهد: معنى فضحكت حاضت، قال الفراء: لم أسمع ذلك من ثقة وجدته كتابة قال الكميت:
وأضحكت السباع سيوف سعد * لقتلى ما دفن ولا ودينا (5)
يعني بالحيض وقالوا لحرب بن كعب: تقول ضحكت النخلة إذا أخرجت الطلع والبسر، وقالوا الضحك الطلع وسمع من يحكى أضحكت حوضك إذا ملأته حتى فاض، وانشد بعضهم في الضحك بمعنى الحيض قول الشاعر:
وضحك الأرانب فوق الصفا * كمثل دم الجوف يوم القا (6)
وقال قوم: الضحك العجب وانشد لأبي ذؤيب:
فجاء بمزج لم ير الناس مثله * هو الضحك إلا أنه عمل النحل (7)
وقيل في معنى " ضحكت " ثلاثة أقوال:
أحدها: انها ضحكت تعجبا من حال الأضياف في امتناعهم من اكل الطعام مع أن إبراهيم وزوجته سارة يخدمانهم.
وثانيها: قال قتادة: ضحكت تعجبا من حال قوم لوط اتاهم العذاب وهم في غفلة.
وثالثها: قال وهب بن منية: انها ضحكت تعجبا من أن يكون لهما ولد، وقد هرما، فعلى هذا يكون في الكلام تقديم وتأخير، كأنه قال فبشرناها بإسحاق فضحكت بعد البشارة. قوله " فبشرناها " يعني امرأة إبراهيم سارة بإسحاق انها تلده ومن بعد إسحاق يعقوب من ولده فبشرت بنبي بين نبيين، وهو إسحاق أبوه نبي وابنه نبي. وقال الزجاج: إنما ضحكت لأنها كانت قالت لإبراهيم اضمم لوطا ابن أخيك إليك فاني أعلم ان سينزل على هؤلاء القوم عذاب فضحكت سرورا لما اتى الامر على ما توهمت. وقال ابن عباس والشعبي والزجاج يقال لولد الولد هذا ابني من ورائي هو ابن ابني.
1- لم أجده.
2- سورة الصافات آية 45 وسورة الزخرف آية 71 وسورة الدهر اية 15.
3- مر هذا البيت في 3: 455 تاما.
4- تفسير الطبري 12: 43 (الطبعة الأولى).
5- تفسير الطبري 12: 42 ومجمع البيان 3: 180.
6- مجمع البيان 3: 180 وتفسير القرطي 8: 66 والطبري 12: 42 والشوكاني 2: 486.
7- تفسير القرطي 8: 67 والطبري 12: 543.