الآية 66

قوله تعالى: ﴿فَلَمَّا جَاء أَمْرُنَا نَجَّيْنَا صَالِحًا وَالَّذِينَ آمَنُواْ مَعَهُ بِرَحْمَةٍ مِّنَّا وَمِنْ خِزْيِ يَوْمِئِذٍ إِنَّ رَبَّكَ هُوَ الْقَوِيُّ الْعَزِيزُ﴾

القراءة:

قرأ أهل المدينة إلا إسماعيل والكسائي والبرجمي والسموني " يومئذ " بفتح الميم، هنا وفي المعارج. الباقون بكسر الميم على الإضافة. قال أبو علي قوله " يومئذ " ظرف - كسرت أو فتحت - في المعنى إلا أنه اتسع فيه فجعل اسما كما اتسع في قوله " بل مكر الليل والنهار " (1) فأضيف المكر اليهما وإنما هو فيهما، فكذلك العذاب والخزي والفزع أضفن إلى اليوم، والمعنى على أن ذلك كله في اليوم كما أن المكر في الليل والنهار. ومن كسر الميم من " عذاب يومئذ " فلان يوما اسم معرب أضاف إليه ما اضافه من العذاب والخزي والفزع، فانجر بالإضافة، ولم تفتح اليوم فتبنيه لإضافته إلى المعنى، لان المضاف منفصل عن المضاف إليه ولا يلزمه الإضافة، والمضاف لم يلزم البناء. ومن فتح فقال: من عذاب يومئذ فيفتح مع أنه في موضع جر، فلان المضاف يكتسب من المضاف إليه التعريف والتنكير، ومعنى الاستفهام والجزاء في نحو غلام من تضرب اضربه، فلما كان يكتسب من المضاف إليه هذه الأشياء اكتسب منه الاعراب والبناء أيضا، إذا كان المضاف من الأسماء الشائعة المبنية نحو (أين. وكيف) ولو كان المضاف مخصوصا نحو (رجل وغلام) لم يكتسب منه البناء كما اكتسبت من الأسماء الشائعة. ومن أضاف على تقدير من عذاب يومئذ ومن خزي يومئذ، فلأنها معارف تعرفت بالإضافة إلى اليوم. اخبر الله تعالى انه لما جاء امره باهلاك قوم صالح الذين هم ثمود نجا صالحا والمؤمنين معه برحمة منه تعالى. وقوله " ومن خزي يومئذ " فالخزي العيب الذي تظهر فضيحته ويستحي من مثله، خزي يخزى خزيا إذا ظهر له عيب بهذه الصفة. وقوله " ان ربك هو القوي العزيز " فالقوي هو القادر، والعزيز هو القادر على منع غيره من غير أن يقدر أحد على منعه. واصله المنع فمنه عز علي الشئ إذا امتنع بقلبه ومنه العز الأرض الصلبة الممتنعة بالصلابة، ومنه تعزز بفلان اي امتنع به ويقال (من عزبز) اي من غلب سلب. وكانت علامة العذاب في ثمود ما قال لهم صالح: آية ذلك ان وجوهكم تصبح في اليوم الأول مصفرة وفي اليوم الثاني محمرة وفي الثالث مسودة، ذكره الحسن، هذا من حكمته تعالى وحسن تدبيره في الانذار بما يكون من العقاب قبل أن يكون، للمظافرة في الحجة. ولم يختر أبو عمرو بناء (يوم) إذا أضيف إلى مبني كما اختير في قوله " على حين غفلة " (2) لان هذا أضيف إلى اسم مبني، وذلك أضيف إلى فعل مبني فباعده من التمكن بأكثر مما باعده الأول.


1- سورة سبأ آية 33.

2- سورة القصص آية 15.