الآية 53
قوله تعالى: ﴿قَالُواْ يَا هُودُ مَا جِئْتَنَا بِبَيِّنَةٍ وَمَا نَحْنُ بِتَارِكِي آلِهَتِنَا عَن قَوْلِكَ وَمَا نَحْنُ لَكَ بِمُؤْمِنِينَ﴾
في هذه الآية حكاية عما قاله قوم هودله حين دعاهم إلى عبادة الله وترك ما سواه بأنهم قالوا له يا هود لم تجئنا ببينة يعني بحجة دالة على صدقك ولسنا نترك عبادة آلهتنا لأجل قولك ولسنا مصدقيك، ولا معترفين بعبادة إلهك الذي تدعي انك رسوله، فالبينة الحجة الواضحة التي تفصل بين الحق والباطل. والبيان فصل المعنى من غيره حتى يظهر للنفس متميزا مما سواه، ويجوز أن يكون حملهم على رفع البينة مع ظهورها أمور:
أحدها: تقليد الآباء والرؤساء فدفعوها لذلك ومنها اتهامهم لمن جاء بها حيث لم ينظروا فيها. ومنها انهم دخلت عليهم الشبهة في صحتها. ومنها اعتقادهم لأصول فاسدة تدعوهم إلى جحدها. واما الداعي إلى عبادة الأوثان فيحتمل أن يكون أحد أشياء:
أحدها: انهم ظنوا انها تقربهم إلى الله زلفى إذا عبدوها.
الثاني: ان يكونوا على مذهب المشبهة فجعلوا وثنا على صورته فعبدوه.
الثالث: أن يكون القي إليهم ان عبادتها تحظي في دار الدنيا. وقوله " عن قولك " معناه بقولك، وجعلت (عن) مكان الباء، لان معنى كل واحد من الحرفين يصح فيه. وقال الرماني: من عبد إلها في الجملة هو ممن عبد غير الله، لان كل واحد منها لم تخلص العبادة له ولا أوقعها على وجه يستحق به الثواب.