الآية 52
قوله تعالى: ﴿وَيَا قَوْمِ اسْتَغْفِرُواْ رَبَّكُمْ ثُمَّ تُوبُواْ إِلَيْهِ يُرْسِلِ السَّمَاء عَلَيْكُم مِّدْرَارًا وَيَزِدْكُمْ قُوَّةً إلى قُوَّتِكُمْ وَلاَ تَتَوَلَّوْاْ مُجْرِمِينَ﴾
هذه الآية عطف على ما قبلها، وفيها حكاية أيضا عما قال هود لقومه، فإنه ناداهم، وقال " يا قوم استغفروا ربكم " اي اطلبوا منه المغفرة " ثم توبوا إليه " وإنما قدم الاستغفار قبل التوبة، لأنه طلب المغفرة التي هي الغرض، ثم بين ما به يتوصل إليها هو التوبة، والغرض مقدم في النفس، لان الحاجة إليه ثم السبب، لأنه يحتاج إليه من اجله. وقيل إن (ثم) في الآية بمعنى الواو، كما قال " خلقكم من نفس واحدة ثم جعل منها زوجها " (1) وكان جعل الزوج منها قبل جميع البشر. وقبل ان المعنى استغفروا ربكم من الوجه الذي يصح، من الا يمان به وتصديق رسله، والاقلاع عن معاصيه، والتوبة من القبائح " ثم توبوا إليه " بمعنى استديموا على ذلك وجددوا التوبة بعد التوبة، لئلا يكونوا مصرين. وكل ذلك جائز وظاهر هذه الآية يقتضي أن الله تعالى يجعل الخير بالتوبة ترغيبا فيها، لأنه وعد متى تاب العاصي يرسل السماء عليهم مدرارا وهو الدرر الكثير المتتابع على قدر الحاجة إليه دون الزائد المفسد المضر، ونصبه على الحال. وروي انهم كانوا أجدبوا، وانهم متى تابوا أخصبت بلادهم وأثمرت أشجارهم وانزل عليهم الغيث الذي يعيشون به. و (مفعال) صفة للمبالغة كقولهم: منجار، ومعطار، ومغزار. ومثله " ومن يتق الله يجعل له مخرجا. ويرزقه من حيث لا يحتسب " (2) ولولا هذا الوعد لما وجب ذلك. واما الثواب على التوبة فمعلوم عقلا. وقوله " ويزدكم قوة إلى قوتكم ولا تتولوا مجرمين " معنا ان الله تعالى إذا تبتم " يرسل السماء عليكم مدرارا ويزدكم قوة إلى " القوة التي فعلها فيكم، ويجوز ان يريد بذلك تمكينهم من النعم التي ينتفعون بها ويلتذون باستعمالها، فان ذلك يسمى قوة. وقوله " ولا تتولوا مجرمين " تمام الحكاية عنه أنه قال لقومه لا تتولوا من عصا الله وترك عبادته.
1- سورة الزمر آية 6.
2- سورة الطلاق آية 2 - 3.