الآية 40

قوله تعالى: ﴿حَتَّى إِذَا جَاء أَمْرُنَا وَفَارَ التَّنُّورُ قُلْنَا احْمِلْ فِيهَا مِن كُلٍّ زَوْجَيْنِ اثْنَيْنِ وَأَهْلَكَ إِلاَّ مَن سَبَقَ عَلَيْهِ الْقَوْلُ وَمَنْ آمَنَ وَمَا آمَنَ مَعَهُ إِلاَّ قَلِيلٌ﴾

القراءة:

قرأ حفص " من كل زوجين " بتنوين في اللام هنا، وفي المؤمنون. وقال أبو الحسن: يقال للاثنين هما زوجان، قال الله تعالى " ومن كل شئ خلقنا زوجين " (1) يقال للمرأة زوج، وللرجل زوجها، قال الله تعالى " وخلق منها زوجها " (2) وقال " امسك عليك زوجك " (3) وقال بعضهم زوجة، قال الأخطل:

زوجة أشمط مرهوب بوادره * قد صار في رأسه التخويص والنزع (4)

وقال أبو الحسن: يقال للاثنين هما زوج. قال أبو علي الفارسي: يدل على أن الزوج يقع للواحد، قوله " ثمانية أزواج من الضأن اثنين ومن المعز اثنين " إلى قوله " ومن الإبل اثنين ومن البقر اثنين " (5) وقال الكسائي أكثر كلام العرب بالهاء. وقال القاسم بن معن أنه سمعها من العرب من أسد شنوءة، وليس في القرآن بالهاء، وهو أفصح من اثباتها عند البصريين. ومن قرأ بالإضافة كان قوله " اثنين " مفعول الحمل. والمعنى احمل من الأزواج إذا كانت اثنين اثنين زوجين، فالزوجان من قوله " من كل زوجين " يريد بهما الشياع، ولا يراد به الناقص من الاثنين، ومنه قول الشاعر: فمالك بالامر الذي لا تستطيع بدارا ومن نون حذف المضاف من (كل) والمعنى من كل شئ أو من كل زوج زوجين اثنين، فيكون اثنين على أنه صفة لزوجين، وذكر تأكيدا كما قال " الهين اثنين " (6). اعلم الله نوحا في هذه الآية ان وقت هلاك قومه الكفار فور التنور، وفي (التنور) أقوال: منها أن الماء إذا فار من التنور الذي يخبز فيه. وقيل: التنور عين ماء معروفة، وتنور الخابزة وافقت فيه لغة العرب العجم. وقيل: ان التنور وجه الأرض، ذكره ابن عباس، واختاره الزجاج. وقيل التنور تنور الصبح، وروي ذلك عن علي عليه السلام. و (حتى) متعلقة بقوله " واصنع الفلك بأعيننا ووحينا.. حتى ". أخبر الله تعالى أنه لما جاء أمره باهلاك قوم نوح عليه السلام لاستحقاقهم ذلك بالكفر، وفار التنور يعني خروج الماء من موضع لم يعهد خروجه منه علامة لنوح عليه السلام وهو تنور الخبز - في قول ابن عباس والحسن ومجاهد - وقيل: هو تنور آدم عليه السلام ويقال: فار إذا ارتفع ما فيه، كما يفور القدر بالغليان، فار يفور فورا وفؤرا. وقال ابن عباس: فار إذا نبع. وقوله " قلنا احمل فيها من كل زوجين اثنين " إخبار منه تعالى أنه أمر نوحا أن يحمل معه في سفينته من كل جنس زوجين: والزوج واحد له شكل إلا أنه قد كثر على الرجل الذي له امرأة: قال الحسن: في قوله " من كل شئ خلقنا زوجين " فالسماء زوج، والأرض زوج والشتاء زوج، والصيف زوج، والليل زوج، والنهار زوج، حتى يصير الامر إلى الله الفرد الذي لا يشبهه شئ قال الأعشى:

وكل زوج من الديباج يلبسه * أبو قدامة محبوا بذاك معا (7)

وقوله " وأهلك " معناه واحمل معك أهلك " الا من سبق عليه القول " بالاهلاك قال الضحاك وابن جريح: هو ابنه وامرأته. وقوله " ومن آمن " تقديره واحمل من آمن. ثم أخبر تعالى فقال " وما آمن معه الا قليل ". قال ابن جريح: القليل الذين نجو معه كانوا ثمانية. وقال الأعمش: كانوا سبعة، وقال ابن عباس: كانوا ثمانين، وكان فيهم ثلاثة: بنيه: يافث، وسام، وحام. وثلاث كائن له ويافث جد الترك والروم والصقالبة وأصناف البيضان. وحام جد السودان، وهم الحبش والنوبة والزنج وغيرهم. وسام أبو فارس وأصناف العجم.


1- سورة 51 الذاريات آية 49.

2- سورة 4 النساء آية 1.

3- سورة 33 الأحزاب آية 37.

4- ديوانه 69 واللسان (خوص) الشمط: البياض من السواد، وإذا بدا في رأسه البياض قيل: خوصه الشيب. والنزع: الصلع.

5- سورة 6 الانعام آية 143 - 144.

6- سورة 16 النحل آية 51.

7- ديوانه 86 وتفسير القرطبي 9 / 35.