الآية 36
قوله تعالى: ﴿وَأُوحِيَ إلى نُوحٍ أَنَّهُ لَن يُؤْمِنَ مِن قَوْمِكَ إِلاَّ مَن قَدْ آمَنَ فَلاَ تَبْتَئِسْ بِمَا كَانُواْ يَفْعَلُونَ﴾
اخبر الله تعالى في هذه الآية انه أوحى إلى نوح، وقال له انه لن يؤمن أحد من قومك في المستقبل أكثر من الذين آمنوا، فلا تبتئس أي لا تغتم ولا يلحقك حزن لأجلهم، يقال ابتأس ابتآسا فهو مبتئس، وقد يكون البؤس الفقر والابتآس حزن في الاستكانة انشد أبو عبيدة.
ما يقسم الله أقبل غير مبتئس * منه وأقعد كريما ناعم البال (1)
واصله البؤس وهو الفقر والمسكنة. ولما اعلم الله نوحا عليه السلام أن أحدا من قومه لا يؤمن فيما بعد، ولا من نسلهم قال " رب لا تذر على الأرض من الكافرين ديارا انك ان تذرهم يضلوا عبادك ولا يلدوا إلا فاجرا كفارا " (2) ذكره قتادة وغيره. والعقل لا يدل على أن قوما لا يؤمنون في المستقبل وإنما طريق ذلك السمع، وقد يغلب في الظن ذلك مع قيام التجويز، ألا ترى انه يغلب في ظنوننا أن الروم مع كثرتهم لا يؤمنون جملة إلا أنه ليس يمتنع مع ذلك أن يؤمنوا، لان الله كلفهم الايمان، فلو لم يكن ذلك جائزا لما كلفهم.
1- قائله حسان ديوانه 326 واللسان (بأس).
2- سورة 71 نوح آية 26 - 27.