الآية 17

قوله تعالى: ﴿أَفَمَن كَانَ عَلَى بَيِّنَةٍ مِّن رَّبِّهِ وَيَتْلُوهُ شَاهِدٌ مِّنْهُ وَمِن قَبْلِهِ كِتَابُ مُوسَى إَمَامًا وَرَحْمَةً أُوْلَئِكَ يُؤْمِنُونَ بِهِ وَمَن يَكْفُرْ بِهِ مِنَ الأَحْزَابِ فَالنَّارُ مَوْعِدُهُ فَلاَ تَكُ فِي مِرْيَةٍ مِّنْهُ إِنَّهُ الْحَقُّ مِن رَّبِّكَ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لاَ يُؤْمِنُونَ﴾

الألف في قوله " أفمن كان " ألف استفهام، والمراد بها التقرير، والتقدير هل الذي كان على بينة - يعني برهان وحجة من الله - والمراد بالبينة ههنا القرآن والمعنى بقوله " أفمن كان على بينة " النبي صلى الله عليه وآله وكل من اهتدى به واتبعه. وقوله " ويتلوه شاهد منه " قيل في معناه أقوال:

أحدها: شاهد من الله هو محمد صلى الله عليه وآله. وروي ذلك عن الحسين بن علي عليهما السلام وذهب إليه ابن زيد واختاره الجبائي.

والثاني: قال ابن عباس ومجاهد وإبراهيم والفراء والزجاج: جبرائيل يتلو القرآن على النبي صلى الله عليه وآله.

الثالث: شاهد منه لسانه، روي ذلك عن محمد بن علي أعني ابن الحنفية، وهو قول الحسن وقتادة.

والرابع: روي عن أبي جعفر محمد ابن علي بن الحسين عليهم السلام أنه علي بن أبي طالب عليه السلام ورواه الرماني، وذكره الطبري باسناده عن جابر بن عبد الله عن علي عليه السلام.

ذكر الفراء وجها خامسا: قال: ويتلوه يعني القرآن يتلوه شاهد هو الإنجيل، ومن قبله كتاب موسى يعني التوراة. والمعنى ويتلوه في الحجة والبينة. وقوله " ومن قبله كتاب موسى " الهاء في " قبله " عائدة على القرآن المدلول عليه فيما تقدم من الكلام، والمعنى أنه يشهد به بالبشارة التي فيه. وقوله " إماما ورحمة " العامل فيه أحد أمرين:

أحدهما: الظرف في قوله ومن قبله.

الثاني: وشاهد من قبله كتاب موسى إماما ورحمة، وخبر (من) في قوله " أفمن كان على بينة من ربه " محذوف والتقدير أفمن كان على بينة من ربه وعلى الأوصاف التي ذكرت كمن لا بينة معه، قال الشاعر:

وأقسم ولو شئ أتانا رسوله سواك * ولكن لم نجد عنك مدفعا

وأنشد الفراء:

فما أدري إذا يممت وجها * أريد الخير أيهما يليني

الخير الذي أنا أبتغيه * أم الشر الذي لا يأتليني (1)

قال: أيهما، وإنما ذكر الخير وحده، لان المعنى مفهوم، لان المبتغي للخير متق للشر. وقال قوم خبره قوله " من كان يريد الحياة الدنيا " وقد تقدمه، واستغني به. وقوله " أولئك يؤمنون به " كناية عمن كان على بينة من ربه أنهم يصدقون بالقرآن ويعترفون بأنه حق. وقوله " ومن يكفر به من الأحزاب فالنار موعده " معناه إن كل من يجحده ولا يعترف به من الأحزاب الذين اجتمعوا على عداوته. وقال الفراء: يقال كل كافر حزب النار " والنار موعده " يعني مستقره وموعده " فلاتك " يا محمد صلى الله عليه وآله في شك من ذلك، فالخطاب متوجه إلى النبي صلى الله عليه وآله والمراد به جميع المكلفين. وقوله " انه الحق من ربك " اخبار منه تعالى بأن هذا الخبر الذي ذكره حق من عند الله. ولكن أكثر الناس لا يعلمون صحته وصدقه لجهلهم بالله وجحدهم نبوة نبيه صلى الله عليه وآله. وروي أن الحسن قرأ (في مرية) بضم الميم، وهي لغة أسد وتميم، وأهل الحجاز يكسرون الميم وعليه القراء.


1- مر هذا الشعر في 2 / 113.