قول عمر بن خطاب: حسبنا كتاب الله

ومن الرزايا العظيمة والكوارث الفادحة التي قصمت ظهر المسلمين وأدّت إلى ضلال أكثرهم عن الهدى الذي أراده لهم الله ورسوله، ذلك الخلاف الذي حدث عند رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم)، وفي اللحظات الأخيرة من عمره الشريف، بين صحابته الحاضرين عنده في تلك الحال.

ومجمل القضية هو: إنّ النبي (صلّى الله عليه وآله وسلّم) لما حضرته الوفاة وعنده رجال من صحابته - فيهم عمر بن الخطاب - قال: هلم أكتب لكم كتاباً لا تضلّوا بعده، وفي لفظ آخر: إئتوني بالكتف والدواة - أو: اللوح والدواة - أكتب لكم كتاباً لن تضلّوا بعده أبداً.

فقال عمر: إنّ النبي قد غلب عليه الوجع(1)، وعندكم القرآن، حسبنا كتاب الله.

وفي لفظ آخر: فقالوا: إنّ رسول الله يهجر. - من دون تصريح باسم المعارض -!

فاختلف الحاضرين، منهم من يقول: قرّبوا يكتب لكم النبي كتاباً لن تضلوا بعده، ومنهم من يقول ما قال عمر!

فلما أكثروا ذلك عنده (صلّى الله عليه وآله وسلّم) قال لهم: قوموا عنّي(2).

ولسنا نحن الآن بصدد محاسبة هذا الرجل على كلامه هذا الذي غيّر مجرى التأريخ، وحال دون ما أراده الله والرسول لهذه الامة من الخير والصلاح والرشاد، إلى يوم القيامة، حتى أنّ ابن عباس كل يقول: " يوم الخميس وما يوم الخميس " ثم يبكي(3).

وكان رضي الله عنه يقول: " إنّ الرزيّة كل الرزيّة ما حال بين رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم) وبين كتابه "(4).

وإنّما نريد الإستشهاد بقوله: " إن عندنا القرآن، حسبنا كتاب الله " الصريح في وجود القرآن عندهم مدوّناً مجموعاً حينذاك، ويدل على ذلك أنّه لم يعترض عليه أحد - لا من القائلين قرّبوا يكتب لكم النبي كتاباً، ولا من غيرهم - بأنّ سور القرآن وآياته متفرقة مبثوثة، وبهذا تم لعمر بن الخطاب والقائلين مقالته ما أرادوا من الحيلولة بينه (صلّى الله عليه وآله وسلّم) وبين كتابة الوصيّة.


1- قال سيدنا شرف الدين: « وقد تصرّفوا فيه: فنقوله بالمعنى، لأنّ لفظه الثابت: إنّ النبي يهجر. لكنهم ذكروا أنّه قال: إنّ النبي قد غلب عليه الوجع، تهذيباً للعبارة، واتقاء فظاعتها... » النصّ والإجتهاد: 143.

2- راجع جميع الصحاح والمسانيد والتواريخ والسير وكتب الكلام، تجد القضية باختلاف ألفاظها وأسانيدها.

3- صحيح البخاري 2: 118.

4- نفس المصدر ج1 كتاب العلم، باب كتابة العلم.