الآية 89

قوله تعالى: ﴿قَالَ قَدْ أُجِيبَت دَّعْوَتُكُمَا فَاسْتَقِيمَا وَلاَ تَتَّبِعَآنِّ سَبِيلَ الَّذِينَ لاَ يَعْلَمُونَ﴾

حكى الله تعالى أنه أجاب موسى وهارون، فقال لهما " قد أجيبت دعوتكما " والجواب موافقة للدعوة فيما طلب بها لوقوعها على تلك الصفة. فالله تعالى يجيب الدعاء إذا وقع بشروط الحكمة. واختلفوا في هل يجوز أن يجيب الله تعالى دعوة الكافر أم لا؟فقال أبو علي الجبائي: لا يجوز لان اجابته إكرام له كما يقولون: فلان مجاب الدعوة اي هو رجل صالح. والكافر ليس بهذه المنزلة. وقال أبو بكر بن الاخشاد: يجوز ذلك إذا كان فيه ضرب من المصلحة. والإجابة قد تكون من الأعلى للأدون من غير ترغيب المدعو. والطاعة لا تكون إلا من الأدنى للأعلى. ولا يجوز عند أكثر المحصلين ان يدعو نبي على قومه من غير إذن سمعي، لأنه لا يأمن أن يكون منهم من يتوب مع اللطف في التبقية، فلا يجاب. ويكون ذلك فتنة. والدعوة طلب الفعل بصيغة الامر وقد يدعى بصيغة الماضي كقولك: غفر الله لك وأحسن إليك، وجزاك الله خيرا. وإنما قال " أجيبت دعوتكما " والداعي موسى لان دعاء موسى كان مع تأمين هارون - على ما قاله الربيع وابن زيد وعكرمة ومحمد بن كعب وأبو العالية - والمؤمن داع، لان المعنى في التأمين اللهم أجب هذا الدعاء. وقوله " فاستقيما " امر منه تعالى لهما بالاستقامة في دعائهما لفرعون وقومه على ما أمرتكما به ولا تتبعا سبيل الجاهلين لوعدي ووعيدي فإنه لا خلف له. وقال ابن جريح: مكث فرعون بعد هذه الأمور أربعين سنة. وقوله " ولا تنبعان سبيل الذين لا يعلمون " نهي منه تعالى لموسى وهارون أن يتبعا طريقة من لا يؤمن بالله ولا يعرفه. وقرأ ابن عامر وحده " ولا تتبعان " مخففة النون الا الداحوني عن هشام، فإنه خير بين تخفيفها وتشديدها. وقرأ ابن عامر وحده " ولا تتبعان " ساكنة التاء مخففة مشددة النون. وفي قراءة الأخفش الدمشقي عن ابن عامر بتخفيف التاء والنون. الباقون بتشديد التاء والنون. قال أبو علي النحوي: من شدد النون فلان هذه النون الثقيلة إذا دخلت على (تفعل) فتح لام الفعل، لدخولها وبني الفعل معها على الفتح نحو (لتفعلن) وحذفت النون التي تثبت في (تفعلان) في حال الرفع مع النون الشديدة، وحذف الضم في (لتفعلن)، وإنما كسرت الشديدة بعد ألف التثنية. لوقوعها بعد الف التثنية، فأشبهت التي تلحق الألف في رجلان، لما كانت في هذه مثلها، ودخلت لمعنى كدخولها، ولم يعتد بالنون قبلها، لأنها ساكنة، ولأنها خفيفة فصارت المكسورة كأنها وليت الألف. ومن خفف النون يحتمل أن تكون مخففة من الثقيلة كما خففوا (رب) و (ان) ونحوهما، وحذفوا الأولى من المثلين كما أبدلوا الأولى من المثلين في نحو (قيراط ودينار) ولان اصلهما (قراط ودنار) فأبدلوا من إحدى النونين ياء. ويحتمل أن يكون حالا من قوله " فاستقيما " وتقديره فاستقيما غير متبعين. ويحتمل أن يكون على لفظ الخبر والمراد به الامر.