الآية 87
قوله تعالى: ﴿وَأَوْحَيْنَا إلى مُوسَى وَأَخِيهِ أَن تَبَوَّءَا لِقَوْمِكُمَا بِمِصْرَ بُيُوتًا وَاجْعَلُواْ بُيُوتَكُمْ قِبْلَةً وَأَقِيمُواْ الصَّلاَةَ وَبَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ﴾
أخبر الله تعالى انه أوحى إلى موسى وأخيه بمعنى ألقى اليهما في خفاء والايحاء والايماء والإشارة نظائر، وكله بيان ودلالة. وحكى الرماني أن قوما أجازوا أن يوحي الله إلى من ليس بنبي برؤيا أو إلهام، قال: وليس يجوز عندنا على المعنى الذي يقع الوحي إلى الأنبياء، لأنه إنما يقع على خلاف مجرى العادة بمعجزة تشهد بأنه تعالى ألقى المعنى إليه. ولا يجوز ان تطلق الصفة بالوحي الا لنبي فان قيد ذلك على خلاف هذا المعنى كان جائزا، كقوله " وأوحى ربك إلى النحل " (1) ومعنى قوله " تبوءا " اتخذا يقال: بوأته منزلا أي اتخذته له وأصله الرجوع من " باؤوا بغضب من الله " (2) أي رجعوا، والمبوء المنزل لأنه يرجع إليه للمقام فيه ومنه قولهم (بؤ بشسع كليب) أي ارجع به. وقوله " واجعلوا بيوتكم قبلة " معناه مصلى. وقيل قبلة: مسجدا، لأنهم كانوا خائفين فأمروا بأن يصلوا في بيوتهم - في قول ابن عباس ومجاهد وإبراهيم والسدي والضحاك والربيع - وقال الحسن يعني قبلة نحو الكعبة. ولم يصرف (مصر) لأنه مؤنث معرفة كقولك هند، ولو صرفته لخفته كما صرفت هند كان جائزا، وترك الصرف أقيس. وقوله " وأقيموا الصلاة " أمر من الله إياهم بإقامة الصلاة والدوام على فعلها " وبشر المؤمنين " أمر منه لموسى ان يبشر المؤمنين بالجنة وما وعد الله تعالى من الثواب وأنواع النعيم.
1- سورة 16 النحل آية 68.
2- سورة 2 البقرة آية 61 وسورة 3 آل عمران آية 112.