الآية 71
قوله تعالى: ﴿وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ نُوحٍ إِذْ قَالَ لِقَوْمِهِ يَا قَوْمِ إِن كَانَ كَبُرَ عَلَيْكُم مَّقَامِي وَتَذْكِيرِي بِآيَاتِ اللّهِ فَعَلَى اللّهِ تَوَكَّلْتُ فَأَجْمِعُواْ أَمْرَكُمْ وَشُرَكَاءكُمْ ثُمَّ لاَ يَكُنْ أَمْرُكُمْ عَلَيْكُمْ غُمَّةً ثُمَّ اقْضُواْ إِلَيَّ وَلاَ تُنظِرُونِ﴾
القراءة:
قرأ نافع في رواية الأصمعي عنه " فاجمعوا " من جمع. الباقون بقطع الهمزة وقرأ يعقوب " وشركاؤكم " بالرفع. الباقون بالنصب. قال أبو علي: ما رواه الأصمعي عن نافع من وصل الهمزة من جمعت، والأكثر في الامر يقال أجمعت. كقوله " وما كنت لديهم إذ أجمعوا أمرهم " (1) وكما قال الشاعر: (يا ليت شعري والمنى لا تنفع) هل أغدون يوما وأمري مجمع (2) اي معد ويمكن أن يكون المراد، واجمعوا ذوي الامر منكم أي رؤساءكم ووجوهكم، كما قال " وأولي الأمر منهم " (3) فحذف المضاف وأجرى على المضاف إليه ما كان يجري على المضاف لو ثبت. ويجوز أن يكون جعل الامر ما كانوا يجمعونه من كيدهم ثم الذين يكيدونه به، فيكون بمنزلة قوله " فاجمعوا كيدكم ثم ائتوا صفا " على أن أبا الحسن يزعم أن وصل الألف في " واجمعوا أمركم وشركاءكم " أكثر في كلام العرب. قال " وإنما يقطعون الهمزة إذا قالوا أجمعوا على كذا وكذا، قال: والقراءة بالقطع غريبة. ومن وصل الهمزة حمل الشركاء على هذا الفعل الظاهر لأنك جمعت الشركاء وجمعت القوم، وعلى هذا قال " ذلك يوم مجموع له الناس " (4) ومن قطع الهمزة أضمر للشركاء فعلا آخر كأنه قال فاجمعوا أمركم واجمعوا شركاءكم أو ادعوا شركاءكم، قال الشاعر: علفتها تبنا وماء باردا (5) وقال آخر: شراب البان وتمر واقط وفي قراءة أبي " وادعوا شركاءكم " ويجوز أن يكون انتصاب الشركاء على أنه مفعول معه، وهو قول الزجاج، كما قالوا: استوى الماء والخشبة، وجاء البرد والطيالسة، وقالوا: لو ترك الفصيل وأمه لرضع لبنها. ومن رفع " وشركاؤكم " كيعقوب والحسن حمله على الضمير، وتقديره فاجمعوا أنتم وشركاؤكم. قال الزجاج: وحسن ذلك لدخول المنصوب بينهما. ولو لم يدخل لما حسن. ولا يجوز أن تقول اجمعوا وشركاؤكم. وإنما يجوز العطف على الضمير إذا اكد. وزعم أبو الحسن أن قوما يقيسون هذا الباب. وقوما يقصرونه على ما سمع. قال أبو علي الفارسي: والأول عندي أقيس. امر الله تعالى نبيه صلى الله عليه وآله أن يقرأ على هؤلاء الكفار أخبار نوح عليه السلام حين " قال لقومه يا قوم إن كان كبر عليكم مقامي " بين أظهركم " وتذكيري " إياكم " بآيات الله " وحججه وهممتم بقتلي وأذاي فافعلوا ما بدا لكم فاني على الله توكلت وإنما جعل جواب الشرط " فعلى الله توكلت " مع أنه متوكل عليه في جميع أحواله ليبين لهم أنه متوكل في هذا على التفصيل لما في إعلامه ذلك من زجرهم عنه لان الله تعالى يكفيه أمرهم. والتوكل والتفويض جعل الامر إلى من يدبره للثقة به في تدبيره فمن فوض أمره إلى لله فقد توكل عليه. وقوله " ثم لا يكن أمركم عليكم غمة " معناه ليكن امركم ظاهرا مكشوفا ولا يكونن مغطى مستورا من غممت الشئ إذا سترته، فالغمة ضيق الامر الذي يوجب الحزن، والغمة والضغطة والكربة والشدة نظائر، ونقيضه الفرجة. وقيل (غمة) معناه مغطى تغطية حيرة مأخوذة من غم الهلاك. وقوله " فاجمعوا امركم وشركاءكم " فيه تهديد. وقوله " ثم اقضوا إلي ولا تنظرون " معناه افعلوا ما تريدون، على وجه التهديد لهم، وانه إذا كان الله ناصره وعليه وتوكله يبالي بمن عاداه وأراد به السوء فان الله يكفيه امره. وقرئ بالفاء ومعناهما متقاربان، ولان معنى اقضوا توجهوا إلي. وقال ابن الأنباري معنى " اقضوا " امضوا، يقال قضى فلان إذا مات ومضى. ومعنى " ولا تنظرون " ولا تؤخرون.
1- سورة 12 يوسف آية 102.
2- تفسير الطبري 11 / 90 والقرطبي 8 / 362.
3- سورة 4 النساء آية 82.
4- سورة 11 هود آية 104.
5- تأويل مشكل القرآن 165 وأمالي المرتضى 2 / 170 واللسان (عطف).