السقوط المريع

تفسير قوله تعالى: ﴿فَذَلِكَ الَّذِي يَدُعُّ الْيَتِيمَ﴾ (الماعون/2) ﴿وَلَا يَحُضُّ عَلَى طَعَامِ الْمِسْكِينِ﴾ (الماعون/3)

ثم أراد سبحانه استثمار هذه الحالة، بتجسيده نتيجة هذا التكذيب بالدين، فيما ذكره بقوله: ﴿فَذَلِكَ الَّذِي يَدُعُّ الْيَتِيمَ﴾ (الماعون/2) حيث ظهر أن من يكذب بالدين سينتهي به الأمر إلى رفض المثل والقيم. ويتجلّى ذلك في أنه يدعّ اليتيم، الأمر الذي يدل على فقدانه للعواطف الإنسانية، التي هي من أهم لوازم الوعي والمعرفة، نتيجة يقظة الضمير، ونبضات الحياة في المشاعر.

فالذي يكذب بالدين، ليس فقط لا يتورع عن الإساءة إلى اليتيم، بصورة عابرة، بل هو يندفع إلى اليتيم، ويلاحقه ليوصل إليه الأذى، حيث يدعّه، أي يدفعه بعنف. مع أن هذا اليتيم هو إنسان قد أقبل عليه، ورمى نفسه في أحضانه، فالمفروض بحسب خلقيات البشر أن يحتضنه، ويرحمه؟، ويخفف من آلامه، وإذا به ليس فقط لا يرحمه، ولا يحتضنه، ولا يمسح دمعته، ولا على رأسه، وإنما يعامله بقسوة وعنف. متجاوزًا القول إلى الفعل باستعمال قوّة الجوارح، وشراسة الطاغي، فيلحق بنفسية اليتيم الأذى، ويحدث عنده صدمة مدمّرة، لأنه لا يرى في نفسه أنه أساء إليه، أو اعتدى عليه.