الآية 42
قوله تعالى: ﴿وَمِنْهُم مَّن يَسْتَمِعُونَ إِلَيْكَ أَفَأَنتَ تُسْمِعُ الصُّمَّ وَلَوْ كَانُواْ لاَ يَعْقِلُونَ﴾
اخبر الله تعالى ان من جملة هؤلاء الكفار " من يستمع إليك " يا محمد. والاستماع طلب السمع، فهم كانوا يطلبون السمع للرد لا للفهم، فلذلك لزمهم الذم، فهم إذا سمعوه على هذا الوجه كأنهم صم لم يسمعوه حيث لم ينتفعوا به. وقوله " أفأنت تسمع الصم " خطاب للنبي صلى الله عليه وآله بأنه لا يقدر على اسماع الصم الذين لا يسمعون، وبهم صمم، وهم الذين ولدوا صما، والأصم المفسد السمع بما يمنع من ادراك الصوت، وقد صم يصم صمما، والسمع إدراك الشئ بما به يكون مسموعا. وتسمى الاذن السليمة سمعا، لأنه يسمع بها. وقوله " ولو كانوا لا يعقلون " تشبيه من الله تعالى لهؤلاء الكفار في ترك إصغائهم إلى النبي صلى الله عليه وآله واستماع كلامه طلبا للفائدة بالذين لا يسمعون أصلا، وان النبي صلى الله عليه وآله ولا يقدر على اسماعهم على وجه ينتفعون به إذا لم يستمعوا بنفوسهم، للفكر فيه، كما لا يقدر على اسماع الصم. وقوله " من " يقع على الجمع كما يقع على الواحد، فلذلك أخبر عنه بلفظ الجمع بقوله " يستمعون إليك " و (لو) في أكثر الامر يكون ما بعدها أقل مما قبلها تقول: أعطني دابة ولو حمارا، وقد يجئ ما بعدها أكثر مما قبلها، كما يقول الرجل: : انا أقاتل الأسد فيستعظم ذلك منه، فيقال: أنت تقاتل الأسد ولو كان ضاريا، وعلى هذا مخرج الآية. قال الزجاج: والمعنى ولو كانوا جهالا كما قال الشاعر: أصم عما ساءه سميع (1).
1- مر في 2 / 80 و 4 / 125.