الآيات 22-30
قوله تعالى: ﴿يَخْرُجُ مِنْهُمَا اللُّؤْلُؤُ وَالْمَرْجَانُ، فَبِأَيِّ آلَاء رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ، وَلَهُ الْجَوَارِ الْمُنشَآتُ فِي الْبَحْرِ كَالْأَعْلَامِ، فَبِأَيِّ آلَاء رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ، كُلُّ مَنْ عَلَيْهَا فَانٍ، وَيَبْقَى وَجْهُ رَبِّكَ ذُو الْجَلَالِ وَالْإِكْرَامِ، فَبِأَيِّ آلَاء رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ، يَسْأَلُهُ مَن فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ كُلَّ يَوْمٍ هُوَ فِي شَأْنٍ، فَبِأَيِّ آلَاء رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ﴾
القراءة:
قرأ " المنشئات " بالكسر حمزة، ويحيى وقرأ " يخرج " بفتح الياء أهل الكوفة، وابن كثير وابن عامر أسندوا الفعل إلى اللؤلؤ والمرجان. الباقون، على ما لم يسم فاعله. وإنما أجازوا اسناد الفعل إلى الجوار واللؤلؤ والمرجان، كما قالوا مات زيد ومرض عمرو وما أشبه ذلك في ما يضاف الفعل إليه إذا وجد منه. وإن كان في الحقيقة لغيره، وكان المعنى المنشئات السير فحذف المفعول وأضاف السير إليه إتساعا، لان سيرها إنما يكون بهبوب الريح. وقال الزجاج: من فتح الشين أراد المرفوعات الشرع، وبالكسر الحاملات الرافعات الشرع. لما ذكر الله تعالى النعمة على الخلق بمرج البحرين اللذين يلتقيان، وإنهما مع ذلك لا يبغيان، بين أيضا ما فيهما من النعمة، فقال يخرج منهما يعني من البحرين اللؤلؤ والمرجان. فاللؤلؤ معروف، ويقع على الصغار والكبار. والمرجان ضرب من الجوهر كالقضبان يخرج من البحر. وقال ابن عباس: اللؤلؤ كبار الدر والمرجان صغاره. وبه قال الحسن وقتادة والضحاك، وسمي المرجان بذلك لأنه حب من الجوهر كبير مختلط به مرجت أي خلطت. وإنما جاز أن يقول يخرج منهما، وهو يخرج من الملح دون العذب، لان العذب والملح يلتقيان فيكون العذب كاللقاح للملح، كما يقال يخرج الولد من الذكر والأنثى، وإنما تلده الأنثى. وقال قوم: لا يخرج اللؤلؤ إلا من الموضع الذي يلتقي فيه العذب والملح، وذلك معروف عند الغواصين. وقال الزجاج: لأنه إذا أخرجه من أحدهما فقد أخرجه من الآخر، لأنه داخل فيهما وقال ابن عباس: إذا جاء القطر من السماء تفتحت الأصداف فكان من ذلك القطر اللؤلؤ. وقال قوم المعنى من جهتهما ولا يجب إنه من كل واحد منهما، والأول وجه التأويل. وقوله " وله الجوار المنشآت " والجوار جمع جارية وهي السفينة لأنها تجري في الماء بأمر الله تعالى. والجارية المرأة الشابة، لأنه يجري فيها ماء الشباب، والمنشئات المبتدءات للسير برفع القلاع. وقال مجاهد: ما رفع له القلاع، فهو منشأ وما لم يرفع قلاعه فليس بمنشأ، فجعل الانشاء برفع القلاع. والاعلام الجبال واحدها علم سمي بذلك لارتفاعه كارتفاع الاعلام المعروفة. وقال جرير:
إذا قطعن علما بعد علم * حتى تناهين بنا إلى حكم (1)
وقيل كالاعلام في العظم. وقوله " كل من عليها فان " إخبار من الله تعالى أن جميع من على وجه الأرض من العقلاء يفنون ويخرجون من الوجود إلى العدم. وإذا ثبت ذلك وكانت الجواهر لا تفنى إلا بفناء يضادها على الوجود، فإذا وجد الفناء انتفت الجواهر كلها، لأنها اختصاص له بجوهر دون جوهر، فالآية دالة على عدم جميع الأجسام على ما قلناه، لأنه إذا ثبت عدم العقلاء بالآية ثبت عدم غيرهم، لأنه لا يفرق من الأمة أحد بين الموضعين. وقوله " ويبقى وجه ربك ذو الجلال والاكرام " معناه ويبقى ربك الظاهر بأدلته كظهور الانسان بوجهه فالوجه يذكر على وجهين:
أحدهما: بعض الشئ كوجه الانسان
الثاني: بمعنى الشئ المعظم في الذكر كقولهم: هذا وجه الرأي، وهذا وجه التدبير أي هو التدبير، وهو الرأي. والاكرام والاعظام بالاحسان، فالله تعالى يستحق الاعظام بالاحسان الذي هو في أعلى مراتب الاحسان. ومعنى ذو الجلال ذو العظمة بالاحسان. وقوله " يسأله من في السماوات والأرض كل يوم هو في شأن " معناه يسأل الله تعالى من في السماوات والأرض من العقلاء حوائجهم، ويضرعون إليه. ثم قال " كل يوم هو في شأن " فالشأن معنى له عظم، وكذلك قال كل يوم هو في شان، ويقال: لا يشغله شأن عن شأن. والمعنى إن كل يوم اله تعالى في شأن من احياء قوم وإماتة آخرين، وعافية قوم ومرض غيرهم، ونجاة واهلاك ورزق وحرمان وغير ذلك من الأمور والنعمة. وقوله " كل من عليها فان " في التسوية بين الخلق في الفناء " فبأي آلاء ربكما تكذبان " قد فسرناه.
1- مجاز القرآن 2 / 244 والقرطبي 17 / 164.