الآيات 26-30

قوله تعالى: ﴿وَكَم مِّن مَّلَكٍ فِي السَّمَاوَاتِ لَا تُغْنِي شَفَاعَتُهُمْ شَيْئًا إِلاَّ مِن بَعْدِ أَن يَأْذَنَ اللَّهُ لِمَن يَشَاء وَيَرْضَى، إِنَّ الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ لَيُسَمُّونَ الْمَلَائِكَةَ تَسْمِيَةَ الْأُنثَى، وَمَا لَهُم بِهِ مِنْ عِلْمٍ إِن يَتَّبِعُونَ إِلاَّ الظَّنَّ وَإِنَّ الظَّنَّ لَا يُغْنِي مِنَ الْحَقِّ شَيْئًا، فَأَعْرِضْ عَن مَّن تَوَلَّى عَن ذِكْرِنَا وَلَمْ يُرِدْ إِلاَّ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا، ذَلِكَ مَبْلَغُهُم مِّنَ الْعِلْمِ إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِمَن ضَلَّ عَن سَبِيلِهِ وَهُوَ أَعْلَمُ بِمَنِ اهْتَدَى﴾

خمس آيات كوفي وأربع في ما عداه، عد الشاميون (فأعرض عن من تولى) ولم يعده الباقون. وعد الكوفيون (من الحق شيئا) ولم يعده الباقون وعد الكل (الحياة الدنيا) إلا الشاميون، فإنهم عدوا آخر الآية (اهتدى). يقول الله تعالى مخبرا بان كثيرا من ملائكة السماوات (لا تغني شفاعتهم) أي لا تنفع شفاعتهم في غيرهم باسقاط العقاب عنهم (شيئا إلا من بعد أن بإذن الله لمن يشاء) ان يشفعوا فيه ويطلق لهم ذلك (ويرضى) ذلك، وقيل: إن الغرض بذلك الانكار على عبدة الأوثان وقولهم: إنها تشفع لان الملك إذا لم تغن شفاعته شيئا فشفاعة من دونه أبعد من ذلك. وفي ذلك التحذير من الاتكال على الشفاعة، لأنه إذا لم يغن شفاعة الملائكة كان شفاعة غيرهم أبعد من ذلك. ولا ينافي ما نذهب إليه من أن النبي صلى الله عليه وآله والأئمة والمؤمنين يشفعون في كثير من أصحاب المعاصي، فيسقط عقابهم لمكان شفاعتهم، لان هؤلاء - عندنا - لا يشفعون إلا باذن من الله ورضاه، ومع ذلك يجوز أن لا يشفعوا فيه فالزجر واقع موقعه. ثم أخبر الله تعالى (إن الذين لا يؤمنون بالآخرة) أي لا يصدقون بالبعث ولا بالثواب ولا بالعقاب (يسمون الملائكة تسمية الأنثى) قال الحسن كانوا يسمون الملائكة بنات الله. ثم قال (ومالهم به من علم) أي بما يقولونه ويسمونه (من علم) أي ليسوا عالمين بذلك (إن يتبعون إلا الظن) أي ليس يتبعون في قولهم ذلك إلا الظن الذي يجوز أن يخطئ ويصيب، وليس معهم شئ من العلم. وقوله (إن الظن لا يغني من الحق شيئا) معناه إن الظن لا يغني من العلم لأنه لابد من علم يحسن الفعل حتى يجوز أن يفعل، وإن كان الظن في بعض الأشياء علامة للحسن، فما أغنى عن العلم. ثم قال للنبي صلى الله عليه وآله (فاعرض) يا محمد (عمن تولى عن ذكرنا) ولم يقر بتوحيدنا وجحد نبوتك ومال إلى الدنيا ومنافعها (ولم يرد إلا الحياة الدنيا) والتمتع فيها أي لا تقابلهم على أفعالهم واحتملهم، ولم ينهه عن تذكيرهم ووعظهم. ثم قال (ذلك مبلغهم من العلم) ومعناه إن علمهم انتهى إلى نفع الدنيا دون نفع الآخرة، وهو صغير حقير في نفع الآخرة، فطلبوا هذا وتركوا ذلك جهلا به. ثم قال (إن ربك) يا محمد (هو أعلم) منك ومن جميع الخلق (بمن ضل عن سبيله) أي بمن جار وعدل عن طريق الحق الذي هو سبيله (وهو أعلم بمن اهتدى) إليها فيجازي كل واحد على حسب ذلك إن عملوا طاعة أثابهم عليها وإن عملوا معصية عاقبهم عليها.