الآيات 38-44
قوله تعالى: ﴿وَفِي مُوسَى إِذْ أَرْسَلْنَاهُ إلى فِرْعَوْنَ بِسُلْطَانٍ مُّبِينٍ، فَتَوَلَّى بِرُكْنِهِ وَقَالَ سَاحِرٌ أَوْ مَجْنُونٌ، فَأَخَذْنَاهُ وَجُنُودَهُ فَنَبَذْنَاهُمْ فِي الْيَمِّ وَهُوَ مُلِيمٌ، وَفِي عَادٍ إِذْ أَرْسَلْنَا عَلَيْهِمُ الرِّيحَ الْعَقِيمَ، مَا تَذَرُ مِن شَيْءٍ أَتَتْ عَلَيْهِ إِلاَّ جَعَلَتْهُ كَالرَّمِيمِ، وَفِي ثَمُودَ إِذْ قِيلَ لَهُمْ تَمَتَّعُوا حَتَّى حِينٍ، فَعَتَوْا عَنْ أَمْرِ رَبِّهِمْ فَأَخَذَتْهُمُ الصَّاعِقَةُ وَهُمْ يَنظُرُونَ، فَمَا اسْتَطَاعُوا مِن قِيَامٍ وَمَا كَانُوا مُنتَصِرِينَ﴾
القراءة:
قرأ الكسائي " الصعقة " الباقون " الصاعقة "، فالصعقة مصدر صعق يصعق صعقا وصعقة واحدة. والصاعقة الاسم تقول: صاقعة وصاعقة مقدما ومؤخرا، وصواعق وصواقع، وقيل: هما لغتان. قوله " وفي موسى " عطف على قوله " وتركنا فيها آية " فكأنه قال: وتركنا في موسى آية حين أرسلناه إلى فرعون بسلطان مبين أي بحجة ظاهرة " فتولى بركنه " قال ابن عباس وقتادة ومجاهد: معناه بقوته. وقيل: معناه تولى بما كان يتقوى به من جنده وملكه. والركن الجانب الذي يعتمد عليه. والمعنى ان فرعون أعرض عن حجة موسى ولم ينظر فيها بقوته في نفسه " وقال ساحر " أي هو ساحر " أو مجنون " فالسحر حيلة توهم المعجزة بحال خفية. واصله خفاء الامر فمنه السحر الوقت الذي يخفى فيه الشخص. والسحر الرئة لخفاء سببها في الترويح عن القلب بها. والسحارة لخفاء السبب في تلون خيطها. والمجنون الذي أصابته جنة فذهب عقله. وقال الزجاج (أو) ههنا بمعنى الواو، والتقدير ساحر ومجنون. وقال غيره: في ذلك دلالة على عظم جهل فرعون، لان الساحر هو اللطيف الحيلة وذلك ينافي صفة المجنون المختلط العقل، فكيف يوسف شخص واحد بهاتين الصفتين فقال الله تعالى مخبرا عن نفسه " فأخذناه وجنوده فنبذناه " يعني إنا نبذنا فرعون وجنوده " في اليم " أي طرحناه في البحر كما يلقى الشئ في البر " وهو مليم " أي آت بما يلام عليه من الكفر والجحود والعتو والتجبر والتكبر واحد. والملوم الذي وقع به اللوم، والمليم الذي أتى بما يلام عليه. وقوله " وفي عاد " عطف أيضا على قوله " وتركنا فيها " أي وتركنا في عاد أيضا آية أي دلالة فيها عظة " إذ أرسلنا " أي أطلقنا " عليهم الريح العقيم " وهي التي عقمت عن أن تأتي بخير من تنشئة سحاب أو تلقيح شجرة أو تذرية طعام أو نفع حيوان، فهي كالممنوعة من الولادة. وجمع الريح أرواح ورياح، ومنه راح الرجل إلى منزله أي رجع كالريح، والراحة قطع العمل المتعب. وقال ابن عباس: الريح العقيم التي لا تلقح الشجر ولا تنشئ السحاب. وروي عن النبي صلى الله عليه وآله أنه قال (نصرت بالصبا وأهلكت عاد بالدبور). وقوله " ما تذر من شئ أتت عليه " أي لم تترك هذه الريح شيئا تمر عليه " إلا جعلته كالرميم " وهو السحيق الذي انتفى رمه بانتفاء ملاءمة بعضه لبعض، وأما رمه يرمه رما فهو رام له والشئ مرموم فهو المصلح بملاءمة بعضه لبعض، وهو أصل الرميم الذي رمه بنقصه. وقيل: الرميم الذي ديس من يابس النبات. وقيل: الرميم العظم البالي المنسحق. وقوله " وفي ثمود إذ قيل لهم " أيضا عطف على قوله " وتركنا فيها آية.. وفي ثمود " وهم قوم صالح لما كفروا وجحدوا نبوة صالح وعقروا ناقة الله واستحقوا الاهلاك " قيل لهم تمتعوا حتى حين " أي انتفعوا في أسباب اللذات من المناظر الحسنة والروائح الطيبة والاصواب السجية وكل ما فيه منفعة على هذه الصفة " حتى حين " أي إلى حين قدر الله ابقاءكم إليه. وقيل: إلى حين آجالكم إن أطعتم الله - في قول الحسن - " فعتوا عن أمر ربهم " فالعتو الامتناع عن الحق، وهو الجفاء عنه ترفعا عن اتباع الداعي إليه " فاخذتهم الصاعقة وهم ينظرون " أي ارسل الله إليهم الصاعقة التي أهلكتهم وأحرقتهم وهم يبصرونها " فما استطاعوا من قيام " أي لم يقدروا على النهوض به " وما كانوا منتصرين " أي طالبين ناصرا يمنعهم من عذاب الله - عز وجل - وقرأ الكسائي " الصعقة " بغير الف. وقد بيناه.