الآية 154

الآية 154

قوله تعالى: ﴿ثُمَّ آتَيْنَا مُوسَى الْكِتَابَ تَمَامًا عَلَى الَّذِيَ أَحْسَنَ وَتَفْصِيلاً لِّكُلِّ شَيْءٍ وَهُدًى وَرَحْمَةً لَّعَلَّهُم بِلِقَاء رَبِّهِمْ يُؤْمِنُونَ﴾

المعنى:

قيل في معنى قوله " ثم آتينا موسى الكتاب " مع أن كتاب موسى قبل القرآن و (ثم) تقتضي التراخي قولان:

أحدهما: ان فيه خذفا، وتقديره: ثم أتل " آتينا موسى الكتاب " وقال أبو مسلم عطفه على المنن التي امتن بها على إبراهيم من قوله " ووهبنا له إسحاق " إلى قوله " إلى صراط مستقيم " واستحسنه المغربي. وقوله " تماما على الذي أحسن " قيل فيه خمسة أقوال:

أحدها: قال الربيع والفراء: تماما على احسانه اي احسان موسى كأنه قال ليكمل احسانه الذي يستحق به كمال ثوابه في الآخرة.

الثاني: قال مجاهد: تماما على المحسنين. وقيل في قراءة عبد الله " تماما " على الذين أحسنوا " كأنه قيل اتماما للعنة على المحسنين الذين هو أحدهم.

الثالث: قال ابن زيد: تماما على احسان الله إلى أنبيائه.

الرابع: قال الحسن وقتادة: لتمام كرامته في الجنة على احسانه في الدنيا.

الخامس: قال أبو علي: تماما على احسان الله إلى موسى بالنبوة، وغيرها من الكرامة. وقال أبو مسلم تماما على الذي أحسن إبراهيم، فجعل ما اعطى موسى منة على إبراهيم وإجابة لدعوته بما تقدم من احسانه وطاعته، وذلك إذ يقول إبراهيم " واجعل لي لسان صدق في الآخرين " (1). وقوله " تماما على الذي " يقتضي مضاعفة (عليه). ولو قال: تماما، لدل على نقصانه قبل تكميله. وقوله " أحسن " في موضع خفض عند الفراء، زعم أن العرب تقول مررت بالذي خير منك، وبالذي أخيك. ولا يقولون: بالذي قائم، لأنه نكرة وأنشد عن الكسائي:

ان الزبيري الذي مثل الحكم * مشى بأسلابك في أهل العلم (2)

قال الزجاج: أجمع البصريون على أنه لا يجوز ذلك، لان (الذي) يقتضي صلة، ولا يصح ان يوصف الا بعد تمام وصلته. وقوله " وهدى ورحمة " صفتان للكتاب الذي أنزله على موسى، ومعناه حجة ورحمة " وتفصيلا لكل شئ " مثل ذلك. وقوله " لعلهم بلقاء ربهم يؤمنون " معناه لكي يؤمنوا بجزاء ربهم، فسمى الجزاء لقاء الله تفخيما لشأنه وتعظيما له مع الاختصار والايجاز. و (تماما) و (تفصيلا) نصب على أنه مفعول له، وتقديره إنا فعلنا للتمام والتفصيل لكل ما شرعنا له. وروي في الشواذ (أحسن) رفعا وتقديره على الذي هو أحسن.


1- سورة 26 الشعراء آية 84.

2- معاني القرآن 1 / 365 وتفسير الطبري 12 / 234.