وهو رأي علماء آخرين منهم

فهذه طائفة من كلمات أعلام الإمامية - في القرون المختلفة - الصريحة في نفي التحريف عن القرآن الشريف...

وهو رأي آخرين منهم:

* كالشريف الرضي - المتوفّى سنة 406.

* والشيخ ابن إدريس صاحب " السرائر في الفقه "، المتوفّى سنة 598.

* والفاضل الجواد، من علماء القرن الحادي عشر، في " شرح الزبدة في الاصول ".

* والشيخ أبي الحسن الخنيزي، صاحب " الدعوة الإسلامية " المتوفّى

سنة 1363.

* والشيخ محمد النهاوندي، صاحب التفسير، المتوفّى 1371.

* والسيد محسن الأمين العاملي، المتوفى سنة 1371، في كتابه " الشيعة والمنار ".

* والشيخ عبدالحسين الرشتي النجفي، المتوفّى سنة 1373، في " كشف الإشتباه في مسائل جارالله ".

* والشيخ محمد حسين كاشف الغطاء، المتوفى سنة 1373، في " أصل الشيعة واصولها ".

* والسيد محمّد الكوه كمري المعروف بالحجّة، التوفّى سنة 1372 في فتوىً له.

* والسيد عبدالحسين شرف الدين العاملي، المتوفّى سنة 1381، في " أجوبة مسائل جار الله ".

* والشيخ آغا بزرك الطهراني، المتوفّى سنة 1389، في رسالته "تفنيد قول العوام بقدم الكلام ".

* وسيدنا الجدّ السيد محمد هادي الميلاني، المتوفّى سنة 1395، في فتوىً له.

* والسيد محمد حسين طباطبائي، المتوفّى سنة 1402، في تفسيره الشهير " الميزان في تفسير القرآن ".

* والسيّد روح الله الموسوي الخميني - قائد الثورة الإسلاميّة - في بحثه الاصولي " تهذيب الاصول " في مبحث حجّية ظواهر القرآن.

* والسيد أبوالقاسم الخوئي في كتابه " البيان في تفسير القرآن " حيث بحث عن هذا الموضوع من جيمع جانبه وشيّد أركانه.

* وسيدنا الاستاذ السيد محمد رضا الگلپايگاني في فتوىً له.

* والسيد شهاب الدين النجفي المرعشي في فتوىً له.

ولو أردنا أن ننقل كلمات هؤلاء الأعاظم من علماء الشيعة في هذا المضمار لطال بنا المقام، فمثلاً يقول الشيخ محمد حسين كاشف الغطاء: " وإنّ الكتاب الموجود في أيدي المسلمين هو الكتاب الذي أنزله الله إليه للإعجاز والتحدّي ولتعليم الأحكام وتمييز الحلال من الحرام، وإنّه لا نقص فيه ولا تحريف ولا زيادة، وعلى هذا إجماعهم.

ومن ذهب منهم أو من غيرهم من فرق المسلمين إلى موجود نقص فيه أو تحريف فهو مخطئ يردّه نصّ الكتاب العظيم (إنّا نحن نزّلنا الذكر وإنّا له لحافظون).

والأخبار الواردة من طرقنا أو طرقهم الظاهرة في نقصه أو تحريفه ضعيفة شاذّة، وأخبار آحاد لا تفيد علماً ولا عملاً، فإمّا أن تؤوّل بنحو من الإعتبار أو يضرب بها الجدار "(1).

ويقول السيد شرف الدين: " المسألة الرابعة: نسب إلى الشيعة القول بتحريف القرآن بإسقاط كلمات وآيات...

فأقول: نعوذ بالله من هذا القول، ونبرأ إلى الله تعالى من هذا الجهل، وكلّ من نسب هذا الرأي إلينا جاهل بمذهبنا أو مفتر علينا، فإنّ القرآن العظيم والذكر الحكيم متواتر من طرقنا بجميع آياته وكلماته وسائر حروفه وحركاته وسكناته تواتراً قطعياً عن أئمّة الهدى من أهل البيت عليهم السّلام لا يرتاب في ذلك إلاّ معتوه، وأئمّة أهل البيت كلّهم أجمعون رفعوه إلى جدّهم رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم) عن الله تعالى، وهذا أيضاً ممّا لا ريب فيه.

وظواهر القرآن الحكيم فضلاً عن نصوصه أبلغ حجج الله تعالى، وأقوى أدلّة أهل الحق بحكم الضرورة الأوليّة من مذهب الإماميّة، وصحاحهم في ذلك متواترة من طريق العترة الطاهرة، ولذلك تراهم يضربون بظواهر الصحاح - المخالفة للقرآن - عرض الجدار ولا يأبهون بها، عملاً بأوامر أئمّتهم عليهم السّلام.

وكان القرآن مجموعاً أيام النبي (صلّى الله عليه وآله وسلّم) على ما هو عليه الآن من الترتيب والتنسيق في آياته وسوره وسائر كلماته وحروفه، بلا زيادة ولا نقصان، ولا تقديم ولا تأخير، ولا تبديل ولا تغيير.

وصلاة الإماميّة بمجرّدها دليل على ذلك، لأنّهم يوجبون بعد فاتحة الكتاب - في كلّ من الركعة الاولى والركعة الثانية من الفرائض الخمس - سورة واحدة تامّة غير الفاتحة من سائر السور، ولا يجوز عندهم التبعيض فيها ولا القران بين سورتين على الأحوط، وفقههم صريح بذلك، فلولا أنّ سور القرآن بأجمعها كانت زمن النبي (صلّى الله عليه وآله وسلّم) على ما هي الآن عليه في الكيفية والكميّة ما تسنّى لهم هذا القول، ولا أمكن أن يقوم لهم عليه دليل.

أجل، إنّ القرآن عندنا كان مجموعاً على عهد الوحي والنبوّة، ومؤلّفاً على ما هو عليه الآن، وقد عرضه الصحابة على النبي (صلّى الله عليه وآله وسلّم) وتلوه عليه من أوّله إلى آخره، وكان جبرائيل (عليه السّلام) يعارضه صلّى الله عليه وآله بالقرآن في كل عام مرّة، وقد عارضه به عام وفاته مرّتين، وهذا كلّه من الامور الضرورية لدى المحقّقين من علماء الإمامية، ولا عبرة ببعض الجامدين منهم، كما لا عبرة بالحشويّة من أهل السنّة القائلين بتحريف القرآن والعياذ بالله فإنّهم لا يفقهون.

نعم، لا تخلو كتب الشيعة وكتب السنّة من أحاديث ظاهرة بنقص القرآن غير أنّها ممّا لا وزن لها عند الأعلام من علمائنا أجمع، لضعف سندها، ومعارضتها بما هو أقوى منها سنداً، وأكثر عدداً، وأوضح دلالة، على أنّها من أخبار الآحاد، وخبر الواحد إنّما يكون حجّة إذا اقتضى عملاً، وهذه لا تقتضي ذلك، فلا يرجع بها عن المعلوم المقطوع به، فليضرب بظواهرها عرض الحائط "(2).

وسئل السيد محمد هادي الميلاني عن رأيه في المسألة فأجاب بما معرّبه: " بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله وسلام على عباده الّذين اصطفى، إنّ الذي نقطع به هو عدم وقوع أيّ تحريف في القرآن الكريم، لا زيادةً ولا نقصاناً ولا تغييراً في ألفاظه، ولو جاء في بعض الأحاديث ما يفيد التحريف فإنّما المقصود من ذلك ما وقع من تغيير معاني القرآن حسب الآراء السقيمة والتأويلات الباطلة، لا تغيير ألفاظه وعباراته.

وأمّا الروايات الدالّة على سقوط آيات أو سور من هذه المعجزة الخالدة فمجهولة أو ضعيفة للغاية، بل إنّ تلك الآيات السور المزعومة - كالسورتين اللتين رواهما في (الإتقان) أو تلك السورة التي رويت في (دبستان المذاهب)، وكذا ما جاء في غيرهما من الكتاب - هي وحدها تكشف عن حقيقتها، إذ لا يشكّ الخبير بعد عرضها على اسلوب القرآن البلاغي في كونها مختلفة باطلة.

هذا، على أنّ أحداً لم يقل بالزيادة، والقول بنقصانه - كما توهّمه بعضهم - لا يمكن الركون إليه، لا سيمّا بعد الإلتفات إلى قوله تعالى (إنّ علينا جمعه وقرآنه) وقوله تعالى (وإنّا له لحافظون) وقول تعالى (لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه) إلى غيرها من الآيات.

وبهذا الذي ذكرنا صرّح كبار علماء الإمامية منذ الطبقات الاولى كالشيخ المفيد والسيد المرتضى والشيخ الطبرسي، وهم جميعاً يعتقدون بما صرّح به رئيس المحدّثين الشيخ الصدوق في كتاب (الإعتقادات) الذي ألّفه قبل أكثر من ألف سنة حيث قال: إعتقادنا أنّ القرآن الذي أنزله الله تعالى على نبيّه محمد (صلّى الله عليه وآله وسلّم) هو ما بين الدفّتين، وهو ما في أيدي الناس، ليس بأكثر من ذلك - إلى أن قال - ومن نسب إلينا أنّا نقول أنّه أكثر من ذلك فهو كاذب.

والحاصل: إنّ من تأمّل في الآدلّة وراجع تأريخ اهتمام المسلمين في حياة الرسول (صلّى الله عليه وآله وسلّم) وبعده بضبط القرآن وحفظه ودراسته يقطع بأنّ سقوط الكلمة الواحدة منه محال.

ولو أنّ أحداً وجد حديثاً يفيد بظاهره التحريف وظنّ صحّته فقد أخطأ، وإنّ الظنّ لا يغني من الحقّ شيئاً ".

والسيد أبو القاسم الخوئي بعد أن ذكر أسماء بعض النافين للتحريف من أعلام الإماميّة قال: " والحقّ بعد هذا كلّه، إنّ التحريف بالمعنى الذي وقع النزاع فيه غير واقع في القرآن أصلاً بالأدلّة التالية... "(3) ثم بيّن أدلّة النفي من الكتاب والسنّة وغيرهما.

وللسيد محمد حسين الطباطبائي بحث في " أنّ القرآن مصون عن التحريف " في فصول، أورده في تفسيره القيّم، في ذيل تفسير قوله تعالى: (إنّا نحن نزّلنا الذكر وإنّا له لحافظون)(4).


1- أصل الشيعة وأًصولها 101 - 102، ط 15.

2- أجوبة مسائل جار الله: 28 - 37، وانظر له: الفصول المهمة.

3- البيان في تفسير القرآن: 207.

4- الميزان في تفسير القرآن 12: 106.