الآية 153
قوله تعالى: ﴿وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيمًا فَاتَّبِعُوهُ وَلاَ تَتَّبِعُواْ السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَن سَبِيلِهِ ذَلِكُمْ وَصَّاكُم بِهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ﴾
القراءة:
قرأ الكسائي وحمزة " وان هذا " بكسر الهمزة. الباقون بفتحها. وكلهم شدد النون الا ابن عامر فإنه خففها. وكلهم سكن الياء من (صراطي) الا ابن عامر فإنه فتحها. وبه قرأ يعقوب. وقرأ ابن كثير وابن عامر " سراطي " بالسين. الباقون بالصاد الا حمزة، فإنه قرأ بين الصاد والزاي. وروى ابن فليح والبزي الا القواس " فتفرق " بتشديد التاء. ووجهه ان أصله (فتتفرق) فأدغم أحدهما في الأخرى. ومن فتح (أن) احتمل ذلك وجهين:
أحدهما: أن يكون عطفا على " ان لا تشركوا ".
الثاني: ولان هذا صراطي مستقيما فاتبعوه. ومن كسر (ان) احتمل أيضا وجهين:
أحدهما: عطفه على " أتل ما حرم ربكم " واتل " ان هذا " بمعنى أقول.
الثاني: استأنف الكلام. ومن خفف (ان) فأن المخففة في قوله تتعلق بما تتعلق به المشددة. وموضع (هذا) رفع بالابتداء وخبره (صراطي) وفي (ان) ضمير القصة والشأن. وعلى هذه الشريطة تخفف، وليست المفتوحة كالمكسورة إذا خففت. والفاء في قوله " فاتبعوه " على قول من كسر (ان) عاطفة جملة على جملة. وعلى قول من فتح زائدة ونصب " مستقيما " على الحال. " والفائدة ان هذا صراطي وهو مستقيم، فاجتمع له الأمران، ولو رفع مستقيم، لما أفاد ذك. وإنما سمى الله تعالى ان ما بينه وذكره من الواجب والمحرم صراط وطريق لان امتثال ذلك على ما أمر به يؤدي إلى الثواب في الجنة، فهو طريق إليها، والى النعيم فيها قوله " فاتبعوه " أمر من الله تعالى باتباع صراطه وما شرعه للحق. وطريق اتباع الشرع - وفيه الحرام والحلال والمباح - هو اعتقاد ذلك فيه، والعمل على ما ورد الشرع به فيفعل الواجب والندب، ويجتنب القبيح، ويكون مخيرا في المباح. ولا يجب فعل جميعه، لان ذلك خلاف الاتباع. وإنما قيل لاعتقاد صحة الشرع اتباع له، لأنه تعالى إذا حظر شيئا أو حظر تركه كان حكمه، ووجب اتباعه في أنه محرم وواجب، وكذلك الندب والمباح. وقوله " ولا تتبعوا السبل " يعني سبل الشيطان واتباع أهل البدع من اليهود والنصارى وغيرهم، فنهى تعالى عن اتباع ذلك فان اتباع غير سبيله تصرف عن اتباع سبيله، ولا يمكن ان يجتمعا " ذلكم وصاكم به لعلكم تتقون " معناه امركم به وأوصاكم بامتثاله لكي تتقوا عقابه باجتناب معاصيه. وإنما اتى بلفظة (لعل) لان المعنى انكم تعاملون في التكليف والجزاء معاملة الشك للمظافرة في العدل.