الآية 151

الآية 151

قوله تعالى: ﴿قُلْ تَعَالَوْاْ أَتْلُ مَا حَرَّمَ رَبُّكُمْ عَلَيْكُمْ أَلاَّ تُشْرِكُواْ بِهِ شَيْئًا وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا وَلاَ تَقْتُلُواْ أَوْلاَدَكُم مِّنْ إمْلاَقٍ نَّحْنُ نَرْزُقُكُمْ وَإِيَّاهُمْ وَلاَ تَقْرَبُواْ الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ وَلاَ تَقْتُلُواْ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللّهُ إِلاَّ بِالْحَقِّ ذَلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ﴾

لما حكى الله تعالى عن هؤلاء القوم انهم حرموا ما لم يحرمه الله وأحلوا ما حرمه، قال لنبيه " قل " لهم " تعالوا " حتى أبين لكم ما حرمه الله. و (تعالوا) معناه أدنوا، وهو مشتق من العلو، وتقديره كأن الداعي في المكان العالي، وان كانا في مستوى من الأرض كما يقال للانسان: ارتفع إلى صدر المجلس. وقوله " أتل " مشتق من التلاوة مثل القراءة. والمتلو مثل المقروء، فالمتلوا هو المقروء الأول، والتلاوة هي الثاني منه على طريق الإعادة، وهو مثل الحكاية والمحكي. وقوله " أتل " مجزوم بأنه جواب الامر، وعلامة الجزم فيه حذف الواو، ومن شأن الجازم أن يأخذ الحركة إذا كانت على الحرف، فإن لم يكن هناك حركة أخذ نفس الحرف. وقوله " ما حرم ربكم " (ما) في موضع نصب ب? (أتل) وهي بمعنى الذي، وتقديره أتل الذي حرم ربكم عليكم: ان لا تشركوا به شيئا، ويجوز أن يكون نصبا ب? (حرم) وتقديره أي شئ حرم ربكم، لان (أتلو) بمنزلة أقول. وقوله " ان لا تشركوا به شيئا " يحتمل موضع (ان) ثلاثة أوجه من الاعراب:

أحدها: الرفع على تقدير ذلك ان لا تشركوا به شيئا.

الثاني: النصب على تقدير أوصى ان لا تشركوا به شيئا. وقيل فيه

وجه رابع: أن يكون نصبا ب? (حرم) وتكون (لا) زائدة، وتقديره حرم ربكم ان تشركوا به شيئا، كما قال " ما منعك ان لا تسجد " (1) ونظائر ذلك قد قدمنا طرفا منها. وموضع تشركوا يحتمل أمرين،

أحدهما: النصب ب? (ان).

الثاني: الجزم ب? (لا) على النهي. وقال أبو جعفر عليه السلام: أدنى الشرك الرياء. وقوله " وبالوالدين احسانا " العامل فيه (أمر) أي امر بالوالدين إحسانا، وأوصى بالوالدين احسانا. ودليله من وجهين:

أحدهما: ان في (حرم كذا) معنى أوصى بتحريمه، وامر بتجنبه.

الثاني: " ذلكم وصاكم به " وقوله " ولا تقتلوا أولادكم من املاق " عطف بالنهي على الخبر، لان قوله " ولا تقتلوا " نهي، وقوله أوصى ألا تشركوا به شيئا، وأوصى بالوالدين احسانا خبر، وجاز ذلك كما جاز في قوله " قل اني أمرت ان أكون أول من أسلم ولا تكونن من المشركين (2) وقال الشاعر:

حج وأوصى بسليمى الاعبد * ان لا قرى ولا تكلم أحدا

ولا تمش بفضاء بعدا * ولا يزل شرابها مبردا (3)

والاملاق: الافلاس من المال والزاد يقال: أملق إملاقا ومنه الملق لأنه اجتهاد في تقرب المفلس للطمع في العطية. وقال ابن عباس وقتادة والسدي وابن جريج والضحاك: الاملاق الفقر، نهاهم الله ان يقتلوا أولادهم خوفا من الفقر. وقال " نحن نرزقكم وإياهم " وقوله " ولا تقربوا الفواحش " نهي عن الفواحش وهي القبائح. وقيل: الفاحش العظيم القبح، والقبيح يقع على الصغير والكبير، لأنه يقال القرد قبيح الصورة ولا يقال فاحش الصورة. وضد القبيح الحسن وليس كذلك الفاحش. قال الرماني ويدخل في الآية النهي عن الصغير، لان قرب الفاحش عمل الصغير من القبيح. وقوله " ما ظهر منها وما بطن " قيل في معناه قولان:

أحدهما: قال ابن عباس والضحاك والسدي: كانوا لا يرون بالزنا بأسا سرا، ويمنعون منه علانية، فنهى الله عنه في الحالتين.

الثاني: لئلا يظن ويتوهم ان الاستبطان جائز. وقال أبو جعفر (عليه السلام) ما ظهر هو الزنا، وما بطن المخالة. وقيل معناه ما علن وما خفي يعني من جميع أنواع الفواحش وهو أعم فائدة. وقوله " ولا تقتلوا النفس التي حرم الله الا بالحق " فالنفس المحرم قتلها هي نفس المسلم والمعاهد دون الكافر الحربي، والحق الذي يستباح به قتل النفس المحرمة ثلاثة أشياء: قود بالنفس الحرام، والزنا بعد احصان، والكفر بعد الايمان. وقوله " ذلكم وصاكم به " خطاب لجميع الخلق " لعلكم تعقلون " معناه لكي تعقلوا عنه ما وصاكم به فتعملوا به.

1- سورة 7 الأعراف آية 11.

2- سورة 6 الانعام آية 14.

3- مجاز القرآن 1 / 364 وتفسير الطبري 12 / 216.