الآية 139
قوله تعالى: ﴿وَقَالُواْ مَا فِي بُطُونِ هَذِهِ الأَنْعَامِ خَالِصَةٌ لِّذُكُورِنَا وَمُحَرَّمٌ عَلَى أَزْوَاجِنَا وَإِن يَكُن مَّيْتَةً فَهُمْ فِيهِ شُرَكَاء سَيَجْزِيهِمْ وَصْفَهُمْ إِنَّهُ حِكِيمٌ عَلِيمٌ﴾
القراءة:
قرأ ابن كثير " وان يكن " بالياء " ميتة " رفع. وقرأ ابن عامر الا الداحوني عن هشام، وأبو جعفر " تكن " بالتاء " ميتة " رفع. وقرأ أبو بكر عن عاصم الا الكسائي " يكن " باليا " ميتة " نصب. الباقون بالتاء " ميتة " نصب. وجه قراءة الأكثر ان يحمل على (ما) وتقديره وان يكن ما في بطون الانعام ميتة. ووجه قراءة ابن عامر ان يضيف الفعل إلى الميتة فيرتفع الميتة به، فلذلك أنث الفعل. ووجه قراءة أبي بكر ان ما في بطون الانعام مؤنث، لأنها من الانعام. ويجوز أن يكون أراد أن تكون الأجنة ميتة. ووجه قراءة ابن كثير ان يضيف الفعل إلى الميتة، لكن لما لم يكن تأنيث الميتة تأنيث ذوات الفروج، وتقدم الفعل جاز ان يذكر، كما قال " فمن جاءه موعظة " (1) و " أخذ الذين ظلموا الصيحة " (2) وتكون (كان) تامة، ومعناه وان وقع ميتة. اخبر الله تعالى في هذه الآية عن هؤلاء الكفار الذين ذكرهم أنهم " قالوا ما في بطون هذه الانعام " التي تقدم ذكرها أحياء، فهو خالص لذكروهم، ومحرم على أزواجهم الإناث وبناتهم. وقال بعضهم انه يختص بالزوجات، والأولى عموم النساء تفضيلا للذكور على الإناث. وقيل إن الذكور كانوا القوام بخدمة الأوثان. والمراد بما في بطون الانعام قيل فيه ثلاثة أقوال:
أحدها: قال قتادة المراد به الألبان.
الثاني: قال مجاهد والسدي: انه الأجنة.
الثالث: ان المراد به الجميع، وهو أعم. وقوله " خالصة لذكورنا " معناه لا يشركهم فيها أحد من الإناث وليس المراد به تسوية تصفية شئ عن شئ كالذهب الخالص والفضة الخالصة، ومن ذلك إخلاص التوحيد واخلاص العمل لله. والهاء في قوله " خالصة " قيل فيها ثلاثة أقوال:
أحدها: أنها للمبالغة في الصفة كالعلامة والراوية.
الثاني: على تأنيث المصدر كالعاقبة والعافية، ومنه قوله " بخالصة ذكرى الدار " (3).
الثالث: لتأنيث ما في بطونها من الانعام. ويقال فلان خالصة فلان ومن خلصائه. وحكى الزجاج والفراء: انه قرئ خالصة لذكورنا، والمعنى ما خلص منها. وقيل أصل (الذكور) من الذكر سمي الذكر بذلك، لأنه أنبه واذكر من الأنثى. وقوله " وان يكن ميتة " معناه إن كان جنين الانعام ميتة فالذكور والإناث فيه سواء، فقال الله تعالى " سيجزيهم وصفهم " يعني سيجزيهم جزاء وصفهم، وحذف المضاف واقام المضاف إليه مقامه. وقوله " انه حكيم عليم " معناه انه تعالى حكيم فيما يفعل بهم من العقاب آجلا، وفي امهالهم عاجلا " عليم " بما يفعلون لا يخفى عليه شئ منها. وقوله " خالصة " رفع بأنه خبر الابتداء والمبتدأ قوله " ما في بطون " ولا يجوز عند البصريين النصب، لان العامل فيه لا يتصرف، فلا يتقدم عليه، وأجازه الفراء مع قوله إنهم لا يكادون يتكلمون به، لا يقولون زيد قائما فيها، ولكنه قياس. وقد عاب الله على الكفار في هذه الآية من أربعة أوجه:
أولها: ذبحهم الانعام بغير إذن الله.
وثانيها: أكلهم على ادعاء التذكية افتراء على الله.
ثالثها: تحليلهم للذكور وتحريمهم على الإناث تفرقة بين ما لا يفترق الا بحكم من الله.
رابعها: تسويتهم بينهم في الميتة من غير رجوع إلى سمع موثوق.1- سورة 2 البقرة آية 275.
2- سورة 11 هود آية 67.
3- سورة 38 ص آية 46.