الآية 133

قوله تعالى: ﴿وَرَبُّكَ الْغَنِيُّ ذُو الرَّحْمَةِ إِن يَشَأْ يُذْهِبْكُمْ وَيَسْتَخْلِفْ مِن بَعْدِكُم مَّا يَشَاء كَمَآ أَنشَأَكُم مِّن ذُرِّيَّةِ قَوْمٍ آخَرِينَ﴾

اخبر الله تعالى في هذه الآية بأنه الغني. والغني هو الحي الذي ليس بمحتاج. والغني عن الشئ هو الذي يكون وجود الشئ وعدمه وصحته وفساده عنده بمنزلة واحدة، في أنه لا يلحقه صفة نقص. و " ذو الرحمة " يعني صاحب الرحمة، وهو تعالى بهذه الصفة لرحمته بعباده. ثم اخبره عن قدرته وانه لو شاء ان يذهب الخلق بأن يميتهم ويهلكهم ويستخلف من بعدهم ما يشاء بان ينشئ بعد هلاكهم كما أنشأهم في الأول من ذرية من تقدمهم. وكذلك ينشئ قوما آخرين من نسلهم وذريتهم، والجواب محذوف والكاف في (كما) في موضع نصب وتقديره ويستخلف من بعدكم ما يشاء مثل ما أستخلفكم. وفي ذلك دلالة على أنه يصح القدرة على ما علم أنه لا يكون لأنه بين انه لو شاء لذهب بهم وأتى بقوم آخرين ولم يفعل ذلك، فدل ذلك على أنه يقدر على ما يعلم أنه لا يفعله. و (من) في قوله " ويستخلف من بعدكم " للبدل كقولك: أعطيتك من دينارك ثوبا اي مكان دينارك وبدله، ومعنى (من) في قوله " كما أنشأكم من ذرية قوم آخرين " ابتداء الغاية لان التقدير، ان ابتداء غايتكم من قوم آخرين وقيل في وزن " ذرية " ثلاثة أقوال:

أولها: فعلية من الذر.

الثاني: فعيلة على وزن خليفة من ذرأ الخلق يذرأهم.

الثالث: فعولة من (ذروة) الا أن الهمزة أبدلت واوا، ثم قلبت ياء، فيكون بمنزلة علية من علوة. وقرئ في الشواذ (ذرية) بكسر الذال وهما لغتان. وأنشأ الله الخلق إذا خلقه وابتدأه وكل من ابتدأ شيئا فقد أنشأه. ومنه قولهم: أنشأ فلان قصيدة، والنشأة الاحداث من الأولاد، واحدها ناشئ مثل خادم وخدم، ويقال للجواري إنشاء، وللذكور نشاء، قال نصيب:

ولولا أن يقال صبا نصيب * لقلت بنفسي النشأ الصغار (1)

ويقال لهذا السحاب نشؤ حسن، وهو أول ظهوره في السماء.

1- اللسان (نشأ) النشأ: الشباب أو الشابات.