الآية 37

قوله تعالى: ﴿وَقَالُواْ لَوْلاَ نُزِّلَ عَلَيْهِ آيَةٌ مِّن رَّبِّهِ قُلْ إِنَّ اللّهَ قَادِرٌ عَلَى أَن يُنَزِّلٍ آيَةً وَلَكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لاَ يَعْلَمُونَ﴾

القراءة:

قرأ ابن كثير " ينزل " بالتخفيف. الباقون بالتشديد. ومعنى " وقالوا " اخبار عما قاله الكفار من أنهم قالوا " لولا " ومعناه: هلا " أنزل عليه آية " يعني الآية التي سألوها واقترحوا أن يأتيهم بها من جنس ما شاءوا لما قالوا " فليأتنا بآية كما أرسل الأولون " (1) يعنون فلق البحر واحياء الموتى. وإنما قالوا ذلك حين أيقنوا بالعجز عن معارضته فيما أتى به من القرآن، فاستراحوا إلى أن يلتمسوا مثل آيات الأولين، فقال الله تعالى " أو لم يكفهم أنا نزلنا عليك الكتاب " (2) وقال هاهنا قل يا محمد " ان الله قادر على أن ينزل آية ولكن أكثرهم لا يعلمون " ما في إنزالها من وجوب الاستئصال لهم إذا لم يؤمنوا عند نزولها. وما في الاقتصار بهم على ما أوتوا من المصلحة لهم. وبين في آية أخرى انه لو أنزل عليهم ما أنزل لم يؤمنوا، وهو قوله " ولو أننا نزلنا إليهم الملائكة " إلى قوله: " ما كانوا ليؤمنوا الا أن يشاء الله " (3) ان يكرههم. وقال " وما منعنا أن نرسل بالآيات الا أن كذب بها الأولون " (4) يعني الآيات التي اقترحوها إنما لم نأتهم بها، لأنا لو أتيناهم بها ولم يؤمنوا وجب استئصالهم، كما وجب استئصال من تقدمهم ممن كذب بآيات الله. وقال في سورة العنكبوت " وقالوا لا أنزل عليه آية من ربه قل إنما الآيات عند الله وإنما أنا نذير مبين أو لم يكفهم انا أنزلنا عليك الكتاب " (5) الآية. فبين ان الآيات لا يقدر عليها الا الله، وقد أتاهم بما فيه كفاية وإزاحة لعلتهم وهو القرآن، وغيره مما شاهدوه ومن المعجزات والآيات، ولا يلزم اظهار المعجزات بحسب اقتراح المقترحين، لأنه لو لزم ذلك لوجب اظهارها في كل حال ولكل مكلف وذلك فاسد. وقد طعن قوم من الملحدين، فقالوا: لو كان محمد قد أتى بآية لما قالوا له " لولا أنزل عليه آية " ولما قال " ان الله قادر على أن ينزل آية ". قيل: قيد بينا أنهم التمسوا آية مخصوصة وتلك لم يؤتوها وإن كان الله تعالى قادرا عليها، وإنما لم يؤتوها لان المصلحة منعت من انزالها، وإنما اتى بالآيات الاخر التي دلت على نبوته من القرآن وغيره على ما اقتضته المصلحة، ولذلك قال فيما تلوناه " أو لم يكفهم أنا أنزلنا عليك الكتاب " فبين ان في انزال الكتاب كفاية ودلالة على صدقه وانه لا يحتاج معه إلى أمر آخر فسقط ما قالوه.

1- سورة 21 الأنبياء آية 5.

2- سورة 29 العنكبوت آية 51.

3- سورة 6 الانعام آية 111.

4- سورة 17 الاسرى آية 59.

5- سورة 29 العنكبوت آية 50 - 51.