الآيات 16-20
قوله تعالى: ﴿أُوْلَئِكَ الَّذِينَ نَتَقَبَّلُ عَنْهُمْ أَحْسَنَ مَا عَمِلُوا وَنَتَجاوَزُ عَن سَيِّئَاتِهِمْ فِي أَصْحَابِ الْجَنَّةِ وَعْدَ الصِّدْقِ الَّذِي كَانُوا يُوعَدُونَ، وَالَّذِي قَالَ لِوَالِدَيْهِ أُفٍّ لَّكُمَا أَتَعِدَانِنِي أَنْ أُخْرَجَ وَقَدْ خَلَتْ الْقُرُونُ مِن قَبْلِي وَهُمَا يَسْتَغِيثَانِ اللَّهَ وَيْلَكَ آمِنْ إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ فَيَقُولُ مَا هَذَا إِلاَّ أَسَاطِيرُ الْأَوَّلِينَ، أُوْلَئِكَ الَّذِينَ حَقَّ عَلَيْهِمُ الْقَوْلُ فِي أُمَمٍ قَدْ خَلَتْ مِن قَبْلِهِم مِّنَ الْجِنِّ وَالْإِنسِ إِنَّهُمْ كَانُوا خَاسِرِينَ، وَلِكُلٍّ دَرَجَاتٌ مِّمَّا عَمِلُوا وَلِيُوَفِّيَهُمْ أَعْمَالَهُمْ وَهُمْ لَا يُظْلَمُونَ، وَيَوْمَ يُعْرَضُ الَّذِينَ كَفَرُوا عَلَى النَّارِ أَذْهَبْتُمْ طَيِّبَاتِكُمْ فِي حَيَاتِكُمُ الدُّنْيَا وَاسْتَمْتَعْتُم بِهَا فَالْيَوْمَ تُجْزَوْنَ عَذَابَ الْهُونِ بِمَا كُنتُمْ تَسْتَكْبِرُونَ فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَبِمَا كُنتُمْ تَفْسُقُونَ﴾
القراءة:
قرأ " نتقبل، ونتجاوز " بالنون فيهما حمزة والكسائي وخلف، على وجه الاخبار من الله عن نفسه ولقوله " ووصينا " الباقون بالياء فيهما، على ما لم يسم فاعله. وروى هشام " أتعداني " بنون مشددة. الباقون بنونين. وقرأ ابن كثير وأهل البصرة وعاصم إلا الكسائي عن أبي بكر والحلواني عن هشام (وليوفينهم) بالياء. الباقون بالنون. وقرأ ابن ذكوان وروح (أأذهبتم) بهمزتين مخففتين على الاستفهام. وقرأ ابن كثير وأبو جعفر وهشام بتخفيف الأولى وتلين الثانية وفصل بينهما بألف أبو جعفر والحلواني عن هشام. الباقون بهمزة واحده على الخبر. لما اخبر تعالى بما أوصى به الانسان ان يعمله ويقوله عند بلوغ أشده اخبره بعده بما يستحقه من الثواب إذا فعل ما أمره به تعالى فقال (أولئك) يعني الذين فعلوا ما وصيناهم به من التائبين المسلمين هم (الذين نتقبل عنهم أحسن ما عملوا) من قرأ بالنون أضاف الفعل إلى الله وانه أخبر عن نفسه بأنه يفعل بهم. ومن قرأ بالياء والضم فيهما لم يذكر الفاعل لأنه معلوم أن المراد به أن الله الذي يتقبل الطاعات ويجازي عليها. وقوله (أحسن ما عملوا) يعني ما يستحق به الثواب من الواجبات والمندوبات، لان المباحات وإن كانت حسنة لا يستحق بها الثواب ولا توصف بأنها متقبلة، لأنه لا يتقبل إلا ما ذكرناه من واجب أو ندب. ثم قال (ونتجاوز عن سيئاتهم) التي اقترفوها فلا نؤاخذهم بها إذا تابوا منها أو أردنا أن نتفضل عليهم باسقاطها، وقوله (في أصحاب الجنة) أي هم في أصحاب الجنة (وعد الصدق) أي وعدهم وعد الصدق لا الكذب، فهو نصب على المصدر (الذي كانوا يوعدون) به في دار الدنيا إذا أطاعوا الله. ثم اخبر تعالى عن حال (الذي قال) أي الذي يقول (لوالديه أف لكما) ومعناه أنه في موضع ضجر منهما، وقيل: معناه نتنا وقذرا لكما، كما يقال عند شم الرائحة الكريهة. وقال الحسن: هو الكافر الفاجر العاق لوالديه المكذب بالبعث وانه يتأفف بهما إذا دعواه إلى الاقرار بالبعث والشنور. وقال قوم: نزلت الآية في عبد الرحمن بن أبي بكر قبل ان يسلم. ثم بين أنه يقول لهما (أتعدانني أن اخرج) من القبر وأحيا وابعث (وقد خلت القرون من قبلي) أي مضت أمم قبلي وماتوا فما أخرجوا ولا أعيدوا وهما) يعني والديه (يستغيثان الله) ويقولان له (ويلك آمن إن وعد الله حق) والبعث والنشور والثواب والعقاب (فيقول) في جوابهما (ما هذا إلا أساطير الأولين) أي ليس هذا إلا أخبار الأولين وسطروها، وليس لها حقيقة، فقال تعالى (أولئك الذين حق عليهم القول) باستحقاق العقاب وإدخالهم النار (في أمم) أي مع أمم وجماعات (قد خلت من قبلهم من الجن والإنس) على مثل حالهم ومثل اعتقادهم. وقال قتادة: قال الحسن: الجن لا يموتون، قال قتادة: فقلت (أولئك الذين حق عليهم القول..) الآية تدل على خلافه، ويجوز أن يكون الحسن أراد انهم لا يموتون في دار الدنيا ويبقون إلى وقت قيام الساعة. ثم يميتهم الله كما أن ذلك سبيل كل خلق من الملائكة. ثم قال تعالى مخبرا عن حالهم (إنهم) يعني الذين وصفهم (كانوا قوما خاسرين) في أمورهم، لأنهم خسروا الثواب الدائم وحصل لهم العقاب المؤبد. ثم قال (ولكل درجات مما عملوا) أي لكل مطيع درجات ثواب، وإن تفاضلوا في مقاديرها. وقوله (وليوفيهم) من قرأ بالياء معناه ليوفيهم الله. ومن قرأ بالنون فعلى وجه الاخبار من الله عن نفسه انه يوفيهم ثواب اعمالهم من الطاعات " وهم لا يظلمون " أي من غير أن ينقص منه شيئا. ثم قال تعالى (ويوم يعرض الذين كفروا على النار) يعني يوم القيامة (أذهبتم طيباتكم في حياتكم الدنيا) أي يقال لهم على وجه التهجين والتوبيخ (أذهبتم طيباتكم) أي أنفقتم ذلك في ملاذ الدنيا، وفي معاصي الله، ولم تستعملوها في طاعاته. فمن خفف الهمزتين أراد بألف الاستفهام التوبيخ. ومن لين الثانية كره الجمع بين الهمزتين. ومن قرأ على الخبر، فعلى تقدير يقال لهم (أذهبتم) أو يكون حذف أحدهما تخفيفا ويكون المحذوفة الأصلية، لان همزة الاستفهام أدخلت لمعنى. وقوله (واستمتعتم بها) يعني بالطيبات. ثم حكى ما يقال لهم بعد ذلك فإنه يقال لهم (فاليوم تجزون عذاب الهون) يعني عذاب الهوان - في قول مجاهد (بما كنتم تستكبرون في الأرض) أي جزاء بما كنتم تطلبون التكبر والتجبر على الناس (بغير الحق) أي بغير استحقاق (وبما كنتم تفسقون) أي تخرجون من طاعة الله إلى معاصيه.