الآيات 11-15

قوله تعالى: ﴿هَذَا هُدًى وَالَّذِينَ كَفَرُوا بِآيَاتِ رَبِّهِمْ لَهُمْ عَذَابٌ مَّن رِّجْزٍ أَلِيمٌ، اللَّهُ الَّذِي سخَّرَ لَكُمُ الْبَحْرَ لِتَجْرِيَ الْفُلْكُ فِيهِ بِأَمْرِهِ وَلِتَبْتَغُوا مِن فَضْلِهِ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ، وَسَخَّرَ لَكُم مَّا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا مِّنْهُ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لَّقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ، قُل لِّلَّذِينَ آمَنُوا يَغْفِرُوا لِلَّذِينَ لا يَرْجُون أَيَّامَ اللَّهِ لِيَجْزِيَ قَوْمًا بِما كَانُوا يَكْسِبُونَ، مَنْ عَمِلَ صَالِحًا فَلِنَفْسِهِ وَمَنْ أَسَاء فَعَلَيْهَا ثُمَّ إلى رَبِّكُمْ تُرْجَعُونَ﴾

القراءة:

قرأ ابن كثير وحفص (من رجز اليم) بالرفع جعلاه صفة للعذاب. الباقون بالخفض جعلوه صفة للرجز، فكأن قال: من رجز اليم، والرجز هو العذاب فلذلك صح وصفه بأنه أليم. وقرأ ابن عامر وحمزة والكسائي (لنجزي) قوما بالنون على وجه الاخبار من الله عن نفسه بأنه يجازيهم، الباقون بالياء ردا إلى (الله) على الاخبار عنه. معنى قوله (هذا هدى) أي هذا القرآن الذي تلوناه والكلام الذي ذكرناه (هدى) أي دلالة موصلة إلى الفرق بين ما يستحق به الثواب والعقاب، ويفرق به بين الحق والباطل من امر الدين والدنيا. ثم قال تعالى (والذين كفروا بآيات الله) وجحدوها " لهم عذاب " من عند الله جزاء على كفرهم (من رجز اليم). ثم نبه تعالى خلقه على وجه الدلالة على توحيده، فقال (الله الذي سخر لكم البحر لتجري الفلك فيه بأمره) ووجه الدلالة من تسخير البحر لتجري الفلك فيه بأمره، لنبتغي بتسخيره من فضل الله، فهو محسن في فعله يستحق الشكر به على وجه لا يجوز لغيره، وإن أحسن، لأنه أعظم من كل نعمة. وبين انه إنما فعل ذلك لكي يشكروه على نعمه. ثم قال (وسخر لكم) معاشر الخلق (ما في السماوات وما في الأرض جميعا) من شمس وقمر ونجم وهواء وغيث وغير ذلك وجعل السماء سقفا مزينا وجوهرا كريما وسخر الأرض للاستقرار عليها وما يخرج من الأقوات منها من ضروب النبات والثمار والبر فيها إلى غير ذلك مما لا يحصى كثرة من ضروب نعمه مما لا يحاط به علما، وسهل الوصول إلى الانتفاع به تفضلا (منه) على خلقه. ثم بين (إن في ذلك) يعني في ما بينه (لآيات) ودلالات (لقوم يتفكرون) فيه ويعتبرون به. ثم قال لنبيه صلى الله عليه وآله (قل الذين آمنوا يغفروا للذين لا يرجون أيام الله) أي لا يخافون عذاب الله إذا أنالوكم الأذى والمكروه، ولا يرجون ثوابه بالكف عنكم. وقيل: معناه لا يرجون ثواب الله للمؤمنين، إن الله يعرفهم عقاب سيئاتهم بما عملوا من ذلك وغيره. ومعنى (يغفروا) ههنا يتركوا مجازاتهم على أذاهم ولا يكافوهم ليتولى الله مجازاتهم. وقال ابن عباس وقتادة وابن زيد والضحاك: هو من المنسوخ. وقال أبو صالح: نسخها قوله (أذن للذين يقاتلون بأنهم ظلموا) (1) و (يغفروا) جواب أمر محذوف دل عليه الكلام، وتقديره: قل لهم اغفروا يغفروا وصار (قل لهم) على هذا الوجه يغني عنه. وقال الفراء: معناه في الأصل حكاية بمنزلة الامر كقولك: قل للذين آمنوا اغفروا، وإذا ظهر الامر مصرحا فهو مجزوم لأنه أمر وإن كان على الخبر مثل قوله (قل للذين آمنوا يغفروا) (قل لعبادي الذين آمنوا يقيموا الصلاة) (2) فهذا مجزوم تشبيها بالجزاء. وقوله (ليجزي قوما بما كانوا يكسبون) يحتمل معنيين:

أحدهما: قل لهم يغفروا لهم، فان الله يجازيهم يعني الكفار، فإنهم إليه يرجعون

الثاني: أن يكون المعنى ليجزيهم الله يعني المؤمنين، ويعظم أجرهم على احتمالهم وصبرهم ولن يفوتوه يعني الكافرين بل إليه مرجعهم. ثم قال تعالى (من عمل صالحا) يعني طاعة وخيرا (فلنفسه) لان ثواب ذلك عائد عليه (ومن أساء) بأن فعل المعصية (فعليها) أي على نفسه لان عقاب معصيته يناله دون غيره. ثم قال (ثم إلى ربكم ترجعون) الذي خلقكم ودبركم تردون يوم القيامة إليه أي إلى حيث لا يملك أحد الأمر والنهي والضر والنفع غيره، فيجازي كل إنسان على قدر علمه.


1- سورة 22 الحجج آية 39.

2- سورة 14 إبراهيم آية 31.