الآية 103
قوله تعالى: ﴿خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِم بِهَا وَصَلِّ عَلَيْهِمْ إِنَّ صَلاَتَكَ سَكَنٌ لَّهُمْ وَاللّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ﴾
القراءة:
قرأ أهل الكوفة الا أبا بكر " إن صلاتك " على التوحيد ونصب التاء الباقون على الجمع وكسر التاء، لأنه جمع السلامة. فمن قرأ على التوحيد فلانه مصدر يقع على القليل والكثير، فلا يحتاج إلى جمعه. ومثله " لصوت الحمير " (1) ومما ورد في القرآن بلفظ التوحيد والمراد به الجمع قوله " وما كان صلاتهم عند البيت إلا مكاء " (2) وقوله " أقيموا الصلاة وآتوا الزكاة " (3) ومن جمع فلاختلاف الصلاة، كما أن قوله " ان انكر الأصوات " (4) جمع لاختلاف ضروبه والصلاة في اللغة الدعاء قال الأعشى في الخمر:
وقابلها الريح في دنها * وصلى على دنها وارتسم (5)
ومعنى " صل عليهم " ادع لهم، فان دعاءك سكن لهم بمعنى تسكن إليه نفوسهم وتطيب به، ولفظ التوحيد - هاهنا - أحسن لان المراد دعاء النبي صلى الله عليه وآله لهم لا أداء الصلوات، والجمع على ضروب دعائه. وقولهم: صلى الله على رسول الله وعلى ملائكته، ولا يقال: إنه دعاء لهم من الله كما لا يقال في نحو (ويل للمكذبين) أنه دعاء عليهم، لكن المعنى أن هؤلاء ممن يستحق عندكم أن يقال فيهم هذا اللغو من الكلام. ومثله قوله " بل عجبت ويسخرون " (6) فيمن ضم التاء هذا مذهب سيبويه، وذكر الفراء وغيره أن هؤلاء الذين تابوا وأفلعوا قالوا للرسول: خذ من أموالنا ما تريد، فقال رسول الله: لا أفعل حتى يؤذن لي فيه، فأنزل الله " خذ من أموالهم صدقة " فأخذ منهم بعضا وترك الباقي وروي ذلك عن ابن عباس وزيد بن أسلم وسعيد بن جبير وقتادة والضحاك، وهي في أبي لبابة وجد بن قيس وأوس وحذام. وقوله " خذ من أموالهم صدقة " امر من الله تعالى أن يأخذ من المالكين لنصاب الزكاة: الورق إذا بلغ مئتين، والذهب إذا بلغ عشرين مثقالا، والإبل إذا بلغت خمسا، والبقر إذا بلغت ثلاثين، والغنم إذا بلغت أربعين، والغلات إذا بلغت خمسة أوسق. وقوله " خذ من أموالهم " يدل على أن الاخذ من اختلاف الأموال، لأنه جمعه. ولو قال: خذ من مالهم أفاد وجوب الاخذ من جنس واحد متفق. و (من) دخلت للتبعيض، فكأنه قال: خذ بعض مختلف الأموال. وظاهر الآية لا يدل على أنه يجب أنه يأخذ من كل صنف لأنه لو اخذ من صنف واحد لكان قد اخذ بعض الأموال وإنما يعلم ذلك بدليل آخر. والصدقة عطية ماله قيمة للفقر والحاجة. والبر عطية لاجتلاب المودة. ومثله الصلة. وقوله " تطهرهم وتزكيهم بها " إنما ارتفع (تطهرهم) لاحد أمرين:
أحدهما: أن تكون صفة للصدقة وتكون التاء للتأنيث، وقوله " بها " تبيين له والتقدير صدقة مطهرة.
الثاني: أن تكون التاء خطابا للنبي صلى الله عليه وآله والتقدير فإنك تطهرهم بها، وهو صفة للصدقة أيضا الا انه اجتزاء بذكر (بها) في الثاني عن الأول. وقيل: انه يجوز أن يكون على الاستئناف، وحمله على الاتصال أولى، ولا يجوز أن يكون جوابا للامر لأنه لو كان كذلك لكان مجزوما. وقوله " وتزكيهم " تقديره وأنت تزكيهم على الاستئناف. وقيل في هذه الصدقة قولان: قال الحسن: انها هي كفارة الذنوب التي أصابوها، وقال أبو علي: هي الزكاة الواجبة. وأصل التطهير إزالة النجس، والمراد - هاهنا - إزالة النجس: الذبوب بما يكفرهم من الطاعة. وقوله " وصل عليهم " أمر من الله تعالى للنبي أن يدعو لمن يأخذ منه الصدقة. وقال الجبائي: يجب ذلك على كل ساع يجمع الزكوات ان يدعوا لصاحبها بالخير والبركة، كما فعل رسول الله صلى الله عليه وآله. وقوله " والله سميع عليم " معناه انه تعالى يسمع دعاءك لهم بنياتهم في الصدقة التي يخرجونها.
1- سورة 31 لقمان آية 19.
2- سورة 8 الأنفال آية 35.
3- سورة 4 النساء آية 76 وسورة 22 الحج آية 78 وسورة 24 النور آية 56 وسورة 58 المجادلة آية 13 وسورة 73 المزمل آية 20.
4- سورة 31 لقمان آية 19.
5- ديوانه: 29 القصيدة 4 وقد سلف في 1 / 56، 193.
6- سورة 37 الصافات آية 12.