الآية 98

قوله تعالى: ﴿وَمِنَ الأَعْرَابِ مَن يَتَّخِذُ مَا يُنفِقُ مَغْرَمًا وَيَتَرَبَّصُ بِكُمُ الدَّوَائِرَ عَلَيْهِمْ دَآئِرَةُ السَّوْءِ وَاللّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ﴾

القراءة:

قرأ ابن كثير وأبو عمرو " دائرة السوء " بضم السين. الباقون بفتح السين. من فتح أراد المصدر، وإنما أضاف الدائرة إلى السوء تأكيدا كما يقال: عيني رأسه وشمس النهار، تقول: سؤته أسوءه سوءا ومساءة ومسائية، وقوله " ما كان أبوك امرأ سوء " (1) لا يجوز فيه غير فتح السين، وكذلك في قوله " وظننتم ظن السوء " (2) لان الضم بمعنى الاسم، وتقديره عليهم دائرة العذاب والبلاء. أخبر الله تعالى ان من جملة هؤلاء المنافقين من الاعراب من يتخذ ما ينفقه في الجهاد وغيره من طرق الخير " مغرما " اي غرما من قولهم: غرمته غرما وغرامة. والغرم لزوم نائبة في المال من غير جناية، ومنه قوله " من مغرم مثقلون " (3) وأصل المغرم لزوم الامر، ومنه قوله " إن عذابها كان غراما " (4) أي لازما، وحب غرام أي لازم، والغريم كل واحد من المتداينين، وغرمته كذا ألزمته إياه في ماله. وقوله " ويتربص بكم الدوائر " فالتربص التمسك بالشئ لعاقبة ومنه التربص بالطعام لزيادة السعر، فهؤلاء يتربصون بالمؤمنين لعاقبة من الدوائر. والدائرة جمعها دوائر وهي العواقب المذمومة. وقال الفراء والزجاج: كانوا يتربصون بهم الموت والقتل، وإنما خص رفع النعمة بالدوائر دون رفع النقمة، لان النعمة أغلب وأعم لان كل واحد لا يخلو من نعم الله وليس كذلك النقمة، لأنها خاصة. والنعمة عامة. وقد قيل: دارت لهم الدنيا بخلاف دارت عليهم. ثم قال تعالى " عليهم دائرة السوء " يعني على هؤلاء المنافقين دائرة العذاب والبلاء - في قراءة من قرأ بالضم - وقوله " والله سميع عليم " معناه - هاهنا - انه يسمع ما يقوله هؤلاء المنافقون ويعلم بواطن أمورهم، ولا يخفى عليه شئ من حالهم وحال غيرهم.


1- سورة 19 مريم آية 28.

2- سورة 48 الفتح آية 12.

3- سورة 52 الطور آية 40 وسورة 68 القلم آية 46.

4- سورة 25 الفرقان آية 65.