الآية 90
قوله تعالى: ﴿وَجَاء الْمُعَذِّرُونَ مِنَ الأَعْرَابِ لِيُؤْذَنَ لَهُمْ وَقَعَدَ الَّذِينَ كَذَبُواْ اللّهَ وَرَسُولَهُ سَيُصِيبُ الَّذِينَ كَفَرُواْ مِنْهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ﴾
القراءة:
قرأ يعقوب وقتيبة (المعذرون) بسكون العين وتخفيف الذال. الباقون بفتح العين وتشديد الذال، وجه قراءة من قرأ بالتخفيف أنه أراد جاءوا بعذر. ومن قرأ بالتشديد احتمل أمرين:
أحدهما: انه أراد المعتذرون، كان لهم عذر أولم يكن، وإنما أدغم التاء في الذال لقرب مخرجهما مثل قوله " يذكرون ويدكرون " وغير ذلك، وأصله يتذكرون.
الثاني: انه أراد المقصرون، والمعذر المقصر، والمعذر المبالغ الذي له عذر. وأما المعتذر فإنه يقال لمن له عذر ولمن لا عذر له قال لبيد:
إلى الحول ثم اسم السلام عليكما * ومن يبك حولا كاملا فقد اعتذر (1)
معناه جاء بعذر. وقال الزجاج: يجوز أن يكون المعذرون الذين يعتذرون فيوهمون أن لهم عذرا ولا عذر لهم وروي عن ابن عباس انه قرأ بالتخفيف، وقال: لعن الله المعذرين أراد من يعتذر بغير عذر، وبالتخفيف من بلغ أقصى العذر. وأصل التعذير التقصير مع طلب إقامة العذر، عذر في الامر تعذيرا إذا لم يبالغ فيه. والفرق بين الاعتذار والتعذير، أن الاعتذار قد يكون بعذر من غير تصحيح الامر، والتعذير تقصير يطلب معه إقامة العذر فيه. واختلفوا في معنى " وجاء المعذرون " على قولين: قال قتادة واختاره الجبائي: انه من عذر في الامر تعذيرا إذا قصر. وقال مجاهد: جاء أهل العذر جملة على معنى المعتذرين. وقال الحسن: اعتذروا بالكذب. وقال قوم: إنما جاء بنو عفار، خفاف بن ايماء بن رخصة وقومه. ومعنى الآية أن قوما من الاعراب جاءوا إلى النبي صلى الله عليه وآله يظهرون أنهم مؤمنون ولم يكن لهم في الايمان والجهاد نية فيعرفون نفوسهم عليه وغرضهم أن يأذن النبي صلى الله عليه وآله لهم في التخلف، فجعلوا عرضهم أنفسهم عليه عذرا في التخلف عن الجهاد وقوله " وقعد الذين كذبوا الله ورسوله " يعني المنافقين، لأنهم الذين كذبوا الله ورسوله فيما كانوا يظهرون من الايمان، فقال الله " سيصيب الذين كفروا منهم عذاب اليم " اي ينالهم عذاب مؤلم موجع في الآخرة.
1- ديوانه القصيدة: 21، وخزانة الأدب 2 / 217 وتفسير الطبري 1 / 119 14 / 117 واللسان (عذر).