الآيات 26-30
قوله تعالى: ﴿وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ لِأَبِيهِ وَقَوْمِهِ إِنَّنِي بَرَاء مِّمَّا تَعْبُدُونَ، إِلاَّ الَّذِي فَطَرَنِي فَإِنَّهُ سَيَهْدِينِ، وَجَعَلَهَا كَلِمَةً بَاقِيَةً فِي عَقِبِهِ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ، بَلْ مَتَّعْتُ هَؤُلَاء وَآبَاءهُمْ حَتَّى جَاءهُمُ الْحَقُّ وَرَسُولٌ مُّبِينٌ، وَلَمَّا جَاءهُمُ الْحَقُّ قَالُوا هَذَا سِحْرٌ وَإِنَّا بِهِ كَافِرُونَ﴾
يقول الله تعالى لنبيه صلى الله عليه وآله واذكر يا محمد (إذ قال إبراهيم لأبيه وقومه) حين رآهم يعبدون الأصنام والكواكب (إنني براء مما تعبدون) أي برئ من عبادتكم الأصنام والكواكب فقوله (براء) مصدر وقع موقع الوصف، لا يثني ولا يجمع ولا يؤنث. ثم استثنى من جملة ما كانوا يعبدونه الله تعالى فقال (إلا الذي فطرني) معناه إني برئ من كل معبود سوى الله تعالى الذي فطرني أي خلقني وابتدأني، وتقديره إلا من الذي فطرني. وقال قتادة: كانوا يقولون الله ربنا مع عبادتهم الأوثان (فإنه سيهدين) في ما بعد. والمعنى انه سيهديني إلى طريق الجنة بلطف من ألطافه يكون داعيا إلى أن أتمسك به حتى يؤديني إليها، وإنما قال ذلك ثقة بالله تعالى ودعاء لقومه إلى أن يطلبوا الهداية من ربه. والتبري من كل معبود من دون الله واجب بحكم العقل، كما يجب ذمهم على فعل القبيح لما في ذلك من الزجر عن القبيح والردع عن الظلم، فكذلك يجب قبول قول من أخلص عبادة الله، كما يجب مدحه على فعله. وقوله (وجعلها كلمة باقية في عقبه) معناه جعل هذه الكلمة التي قالها إبراهيم كلمة باقية في عقبه بما أوصى به مما أظهره الله من قوله إجلالا له وتنزيها له ورفعا لقدره بما كان منه من جلالة الطاعة والصبر على أمر الله. وقال قتادة ومجاهد والسدي: معنى قوله (وجعلها كلمة باقية في عقبه) قوله: لا إله إلا الله لم يزل في ذريته من يقولها وقال ابن زيد: هو الاسلام بدلالة قوله (هو سماكم المسلمين) (1). وقال ابن عباس: في عقبه من خلفه. وقال مجاهد: في ولده وذريته. وقال السدي: في آل محمد عليهم السلام. وقال الحسن: عقبه ولده إلى يوم القيامة. وقوله (لعلهم يرجعون) قال الحسن: معناه راجع إلى قوم إبراهيم. وقال الفراء: معناه (لعلهم يرجعون) عما هم عليه إلى عبادة الله، وقال قتادة: معناه لعلهم يعترفون ويذكرون الله. وقال الله تعالى إنا لم نعاجل هؤلاء الكفار بالعقوبة (بل متعنا هؤلاء وآباءهم حتى جاءهم الحق) يعني القرآن (ورسول مبين) أي مظهر للحق، يعني محمدا صلى الله عليه وآله. ثم قال تعالى (ولما جاءهم الحق) يعني القرآن (قالوا هذا سحر) وهو حيلة خفية توهم المعجزة (وإنا به) يعني بالقرآن (كافرون) أي جاحدون لكونه من قبل الله تعالى وإنما كان من نسب الحق والدين إلى السحر كافرا بالله، لأنه بمنزلة من عرف نعمة الله وجحدها في عظيم الجرم، فسمي باسمه ليدل على ذلك.
1- سورة 22 الحجج آية 78.