الآية 76

قوله تعالى: ﴿فَلَمَّا آتَاهُم مِّن فَضْلِهِ بَخِلُواْ بِهِ وَتَوَلَّواْ وَّهُم مُّعْرِضُونَ﴾

أخبر الله تعالى عن هؤلاء المنافقين الذين عاهدوا الله، وقالوا متى آتانا الله من فضله لنصدقن ولنكونن من الصالحين أنه آتاهم ما اقترحوه ورزقهم ما تمنوه من الأموال، وانهم لما آتاهم ذلك شحت نفوسهم عن الوفاء بالعهد. ومعنى (لما) معنى (إذا) إلا أن (لما) الغالب عليها الجزاء، وهي اسم، لأنها تقع في جواب (متى) على تقدير الوقت كقولك: متى كان هذا، فيقول السامع: لما كان ذلك. و (لما) و (لو) لا يكونان إلا لما مضى بخلاف (إن) و (إذا) فإنهما لما يستقبل الا أن (لو) على تقدير نفي وجوب الثاني لانتفاء الأول و (لما) يدل على وقوع الثاني لوقوع الأول. والبخل منع النائل لشدة الاعطاء، ثم صار في أسماء الذي منع الواجب، لان من منع الزكاة فهو بخيل. قال الرماني: ولا يجوز أن يكون البخل منع الواجب بمشقة الاعطاء قال الزهير:

ان البخيل ملوم حيث كان ولكن * الجواد على علاته هرم (1)

قال: لأنه يلزم على ذلك أن يكون الجود هو بذل الواجب من غير مشقة. وإنما قال زهير ما قاله لان البخل صفة نقص. قال الرماني: ومن منع ما لا يضره بذله ولا ينفعه منعه مما تدعو إليه الحكمة فهو بخيل، لأنه لا يقع المنع على هذه الصفة إلا لشدة في النفس، وإن لم يرجع إلى ضرر، وقال عبد الله بن عمر والحسن ومحمد ابن كعب القرطي: يعرف المنافق بثلاث خصال: إذا حدث كذب، وإذا وعد خلف وإذا ائتمن خان. وخالفهم عطاء ابن أبي رياح في ذلك وقال: إن النبي صلى الله عليه وآله إنما قال ذلك في قوم من المنافقين. وروي ان الحسن رجع إلى قول عطاء. وقوله " وتولوا " اي أعرضوا عما عاهدوا الله عليه. وقوله " وهم معرضون " اخبار منه بأنهم معرضون عن الحق بالكلية.


1- اللسان (هرم).